«.. وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب»، أو كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام.. وما أجملها من تحية للعلماء في عام جديد لا تصنعه الثورات ولا الحروب ولا السياسة.. بل العلوم. فعام 2019 تحمله أكثر العصور علمية في التاريخ، حيث معظم ما يستخدمه الناس في حياتهم اليومية اكتشفته وطوّرته العلوم، التي تقوم الآن باستكشافات كونية، ليس في الفضاء، بل في مختبرات فيزياء على الأرض. تجارب اختراق حاجز الضوء، كما في مركبة المسلسل الفضائي «ستارترك»، تتحدّى أشهر معادلات «أنشتاين» في القرن العشرين، والتي تقول إن «الطاقة تساوي الكتلة في مربع سرعة الضوء» E=mc2. تستكشف هذه الأبحاث «الطاقة المعكوسة»، ويديرها رئيس «معهد أبحاث الذرة» في «جامعة المكسيك الوطنية»، وهو إسباني تبدو أصوله عربية من لقبه «الكبير». وذكر محرر الفضاء في «نيويورك تايمز» أن علماء وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» يعملون أيضاً في موضوع «الطاقة المعكوسة»، التي قد تمدُّ «سَحّاباً»، كما في السروال، ينفتح على الكون.
وسلام على علماء يطورون مصلاً يقي من جميع الأوبئة، وهم يقتاتون على موازنات «شدّ الحزام»، فيما تُنفق التريليونات على زملائهم الذين يطورون أسلحة الدمار الشامل. فأروع الاكتشافات العلمية العثور على «جينات» ورثها البشر عن تزاوجهم مع أقرب الكائنات الحية إليهم، سلالة «النياندرثال»، التي عاشت في القارة الأوروآسيوية، الممتدة من العالم العربي، وآسيا الوسطى، وحتى شمال أوروبا. وفي التزاوج مع «النياندرثال» الذين اندثروا قبل 40 ألف عام، ورث البشر جينات عززت مناعتهم ضد «فيروسات» لم يكن لها وجود في موطنهم الأصلي أفريقيا، التي غادروها قبل 70 ألف عام. نشرت نتائج هذه الاكتشافات المجلة العلمية (Cell) وأهميتها ليست محض تاريخية، بل تساعد على تطوير عقاقير للحماية من أوبئة فتاكة، مثل «الإيدز» و«الهربس» و«الإنفلونزا».
وسلام على روح طبيب الأعصاب وعالم النفس الفلسطيني الراحل علي كمال، الذي خلّفَ لنا نهاية القرن الماضي ثمانية مجلدات رائدة في اكتشاف أوضاع علوم النفس والعقل الحالية. لكن كيف أفسر لكم؟.. ستفهمون الأقل بعد تفسيرها، وكل ما أرجو إفهامه لكم، هو الحوادث فقط، وليس الذي حَدَثَ، «والناس الذين لم يحدث لهم شيء أبداً، لا يستطيعون فهم عدم أهمية الحوادث». هذه عبارة الشاعر «إليوت» والتي افتتح بها علي كمال مجلده «النفس»، وما تزال تُعبر عن وضع علم النفس في العام الجديد. فالآمال، التي أثارها علم النفس البيولوجي لم تثمر بعد في تفسير انحرافات الدماغ، التي تسبب مختلف أنواع العلل العقلية، ولا يتوقع تحقيق ذلك خلال حياة الأجيال الراهنة. فالحلول تستدعي تعزيز العلاقة بين الباحثين، وبين الناس الذين يعانون هذه العلل، حسب عالم النفس الأميركي «ستيفن هايمن». ومؤلفات العالم الفلسطيني، الذي مارس الطب طوال حياته مع الناس، حاولت «سدّ الفراغ القائم بين التجربة النفسية والمادية، وترجمة الواحد إلى الآخر عبر التكوين العصبي للدماغ».
وبعد أربعة عقود في تغطية مؤتمرات علمية وقمم سياسية، حول المناخ العالمي، من قمة زعماء العالم في «ريو دي جانيرو» بالبرازيل، و«قمة الغذاء العالمية» في روما، و«قمة المستوطنات البشرية» في أسطنبول.. عدتُ إلى نقطة البداية لمناقشة صحة نظرية تغيّر المناخ العالمي. «جيمس هانسن»، أكثر العلماء ضجيجاً وتحذيراً في تسعينيات القرن الماضي من كارثة وشيكة تُغيّرُ المناخ العالمي، يقول الآن: «أشعر بالتعب من أناس يعتقدون بحتمية وقوع الكارثة»، ويتحدث عن «إمكانية تجنب أخطر نتائج الكارثة إذا كنا قادرين على أن نصبح أذكياء»!.. وتتفق معه «كيت مارفيل»، الباحثة في «ناسا»، والتي تؤكد «من المفيد ذكر عدم وجود برهان على حتمية الكارثة»!