يشبه الفساد آفةً تنخر مجتمعاً وتدمِّره بشكل بطيء ومطرد. ذلك أن الأشخاص غير النزهاء يحققون الأرباح على حساب تنمية البلدان وتقدمها. وهذا التهديد أخذ يتفشى في عدد من البلدان النامية، حيث تحول العلاقةُ بين رجال الأعمال والسياسيين دون كسر الدول لحواجز الفقر وتحقيق النمو الاقتصادي. وفي عدد من البلدان، يواجه الأشخاصُ النزهاء والأشخاص الذين يتصفون بالاستقامة، ممن يريدون كشف فضائح الفساد والتحقيق فيها، حواجز قانونية وتحرشات تسمح بحدوث الرشى والتعاملات السرية واستغلال السلطة.
وتُعد الجريمةُ الاقتصادية واحدةً من أخطر الجرائم لأنها تعرّض الأمن القومي للبلدان للخطر. وهي مرتبطة بالمواضيع السياسية والاجتماعية والتنموية بشكل مباشر. كما يلعب التواطؤُ بين السياسيين ورجال الأعمال دوراً محورياً في خلق الجرائم الاقتصادية والاختلاسات والغش والاحتيال في عدد من البلدان. ذلك أن السياسيين يقدمون وعوداً كبيرةً جوفاء لناخبيهم أثناء الحملات الانتخابية. وعندما ينتخَبون يواجهون ضغوطاً ويحاولون إنجاز وعودهم من خلال طرق فاسدة. وهكذا، تَضعف الحكامة وتُهمَل أولويات التنمية والبنى التحتية لتحقيق مكاسب السياسيين.
بيد أن إحدى مزايا وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة هي توسيع القدرة التواصلية لنشطاء حملات محاربة الفساد، على مستوى القواعد الشعبية، على توعية الناس العاديين بالأضرار التي يتسبب فيها الفساد والرشى في المجتمعات، ذلك أن هذه الأخيرة لا تعرِّض الاستقرار الاقتصادي للخطر فحسب، وإنما تدفع البلدان أيضاً إلى حافة الإفلاس والانهيار. وقد أرغمت الصحواتُ الجماعية بخصوص الفضائح المالية وغيرها السلطات في عدد من البلدان، من غرب آسيا إلى جنوب آسيا، على محاسبة عدد كبير من رجال الأعمال الفاسدين والمسؤولين الكبار والسياسيين ورفع قضايا ضدهم في المحاكم. فمن ماليزيا إلى سريلانكا، ومن الخليج العربي إلى شبه القارة الهندية، بدأت موجة جديدة من «من أين لك هذا؟» في الظهور وأُنشئت «مكاتب محاسبة وطنية»، ما أدى إلى هزيمة عدد من السياسيين رفيعي المستوى، واعتقال العديد من رجال الأعمال الأغنياء بتهم ممارسة الاحتيال والارتشاء وغسيل الأموال. وفي الهند، سُجن عدد من الشخصيات السياسية المهمة مثل كبير وزراء ولاية سابق، وفرَّ العديدُ من رجال الأعمال البارزين من البلاد خشية التوقيف، بينما واجه آخرون كثيرون المحاكمات القضائية.
وفي باكستان، حُكم على رئيس الوزراء السابق نواز شريف بالسجن بسبع سنوات في قضية تتعلق بامتلاك مصنع فولاذ، وذلك ضمن أحدث ضربة لرئيس الوزراء السابق الذي يواجه متاعب منذ 2016. فقد أدانته محكمة مختصة في قضايا الفساد بسبب عجزه عن إثبات مصدر الأموال التي سمحت له بامتلاك مصنع فولاذ. كما حكمت عليه المحكمة بغرامة قدرها 2.5 مليون دولار ومنعته من شغل أي منصب عام لعشر سنوات بعد إتمام عقوبته.
ومما لا شك فيه أن الناخبين الباكستانيين قد ضاقوا ذرعاً بتفشي الفساد في مناصب المسؤولية. وكان رئيس الوزراء عمران خان، الذي فاز في الانتخابات مؤخراً، قد جعل من الفساد موضوعاً جوهرياً واعداً باستئصال الفساد من النظام. غير أن ادعاءات الفساد ضد شريف وزارداري تثير السؤال حول ما سيحدث لـ«الرابطة الإسلامية الباكستانية» وحزب «الشعب الباكستاني»، وهما حزبا المعارضة الرئيسيان في البلاد. فهذا الحزبان تعاقبا على السلطة في باكستان منذ عقود، ولكنهما يواجهان اليوم متاعب بسبب اتهامات تتعلق بالفساد.
القضايا ضد هؤلاء الزعماء تأتي أيضاً في وقت تشهد فيه باكستان جهوداً لمحاربة الفساد إذ رفع «مكتب المحاسبة الوطني» قضايا ضد عدد من السياسيين. فالأسبوع الماضي، أوقف المكتبُ وزيرَ السكك الحديدية السابق وشقيقه، وهو وزير صحة سابق في إقليم البنجاب، في قضية احتيال في مشروع عقاري. كما تم إيقاف الشقيق الأصغر لنواز شريف، وهو كبير وزراء سابق لإقليم البنجاب، في أكتوبر الماضي على علاقة بقضية احتيال عقاري بقيمة 14 مليار روبية. ومما لا شك فيه أن كل هذه التطورات ستؤثر على المشهد السياسي لأنها تتعلق بمستقبل الحزبين السياسيين الرئيسيين اللذين يوجدان في المعارضة حالياً ويمران بمرحلة صعبة في الوقت الراهن.
ومن غير المعروف نوع التأثير التي ستتركه حملة محاربة الفساد هذه في باكستان. غير أن ثمة دعماً متزايداً لمكتب المحاسبة الوطني بين الناس العاديين في باكستان الذين ضاقوا ذرعاً بالفساد بين القيادة السياسية وبالعلاقة بين السياسيين ورجال الأعمال الأغنياء ومافيا العقار، والتي أوصلت اقتصاد البلاد إلى حافة الانهيار.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي