الخطة الوطنية لتعزيز الاستثمار الفضائي التي تم اعتمادها مؤخراً من جانب مجلس إدارة وكالة الإمارات للفضاء تعبر عن طموح دولة الإمارات العربية المتحدة في التحول إلى مركز إقليمي ودولي لصناعات الفضاء، كما تواكب خططها المستقبلية التي تستهدف تنويع الدخل، وخاصة أن هذه الخطة تستهدف زيادة مساهمة قطاع الفضاء في تنويع اقتصاد الدولة، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية على الدخول في صناعة الفضاء الوطنية، كما تأخذ في الاعتبار العمل على تحقيق مستهدفات «رؤية الإمارات 2021»، و«مئوية الإمارات 2071»، الرامية إلى أن تكون دولة الإمارات أفضل دول العالم في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، والإسهام في تحقيق السياسة العليا للعلوم والتكنولوجيا والابتكار واستراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة، عبر بناء اقتصاد وطني تنافسي قائم على المعرفة والابتكار والتطبيقات التكنولوجية المستقبلية. ولأن قطاع الفضاء يعتمد في تطوره على المجالات الأخرى، كالتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا المتقدمة والعلوم العصرية، والاستثمار في بناء الكوادر البشرية المواطنة، فقد تم إعداد الخطة الوطنية الجديدة لتعزيز الاستثمار الفضائي بالتعاون مع الجهات المعنية في القطاع الحكومي، والشركات الوطنية في القطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية ومراكز الأبحاث والشركات العالمية العاملة في دولة الإمارات، إلى جانب خبرات متخصصة من مختلف الاختصاصات بهدف تحديد الأهداف المشتركة وتحديد أولويات التنفيذ بما يناسب التوجهات الحكومية، ووفق أفضل الممارسات وأحدث التطورات العالمية.
إن اهتمام الإمارات بالعمل على تعزيز الاستثمار في قطاع الفضاء إنما يكشف عن رؤيتها لموقعه في إطار طموحاتها التنموية الشاملة، وإدراكها لأهميته الاقتصادية والاستراتيجية، ولذلك فإن الاستثمارات في هذا القطاع والصناعات والمشروعات المرتبطة بتكنولوجيا الفضاء تمثل أولوية وطنية رئيسة، ليس فقط لأن هذا القطاع يرتبط بدرجة كبيرة باقتصاد المعرفة الذي يمثل أهم مراحل التطور العلمي والتكنولوجي والمعرفي في مسيرة التنمية، التي تقوم على توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتقنية الحديثة في مشروعات تنموية تنعكس إيجابياً على جودة الحياة ورفاهية الإنسان، وإنما أيضاً لأن هذا القطاع بات يخدم العديد من القطاعات الأخرى في الدولة، كما يوفر تطبيقات وحلولاً فاعلة في مجالات الملاحة وإدارة حركة النقل وعمليات الشحن، وفي مسائل الاستدامة ومراقبة التلوث والتغير المناخي.
منذ إعلان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في يوليو 2014، إنشاء وكالة الفضاء الإماراتية وبدء العمل على مشروع لإرسال أول مسبار عربي وإسلامي إلى كوكب المريخ، والجهود والمبادرات لا تتوقف من أجل المضي قدماً في إنجاز هذا المشروع الحضاري العملاق، سواء لجهة إعداد الكوادر المواطنة وتأهيلها، أو لجهة تعزيز الشراكات مع الدول صاحبة التجارب الرائدة في مجال صناعة الفضاء، والاستفادة من خبراتها في هذا الشأن، حتى حقق هذا المشروع إنجازات نوعية كبيرة، ولعل أبرزها في هذا السياق إطلاق القمر الصناعي «خليفة سات» في شهر أكتوبر 2018 بنجاح، الذي يمثل إنجازاً عالمياً، لأن تصنيع هذا القمر تم بأيدٍ إماراتية مائة في المائة، الأمر الذي يؤكد أن الإمارات تمضي في الطريق الصحيح، وأنها تمتلك ثروة بشرية مؤهلة قادرة على تحقيق حلمها في إرسال أول مسبار عربي وإسلامي إلى كوكب المريخ بقيادة فريق عمل إماراتي في عام 2021، وهو العام الذي يصادف الذكرى الخمسين لقيام دولة الاتحاد.
لقد استطاعت دولة الإمارات أن ترسخ مكانتها في مجال صناعة الفضاء، وأصبحت تمتلك القدرات والمقومات التي تتيح لها أن تكون بالفعل مركزاً إقليمياً وعالمياً رئيساً للأنشطة والفعاليات الفضائية، فهي من ناحية تمتلك بنية تحتية تكنولوجية ومعلوماتية في مجال الفضاء، ومن ناحية ثانية لديها مجموعة من البرامج الطموحة التي تستثمر في بناء الكوادر المؤهلة للعمل في مجال استكشاف الفضاء، كبرنامج «الإمارات لرواد الفضاء»، الذي يهدف إلى تأهيل وإرسال رواد فضاء إماراتيين إلى الفضاء الخارجي لتنفيذ مهام علمية. ولا شك في أن الإعلان في شهر سبتمبر الماضي عن اسم أول رائدَي فضاء إماراتيين من بين 4000 شاب وشابة إماراتيين تقدموا للاختبارات ضمن هذا البرنامج، يشكل خطوة متقدمة في توجه الإمارات نحو خوض غمار السباق العالمي في استكشاف الفضاء، ويؤكد أن طموح الإمارات كي تكون واحدة من الدول الكبرى في هذا المجال أصبح واقعاً وحقيقة قائمة.
عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية