أصبح العالم أشد تقلباً من الناحية السياسية، وأكثر هشاشة اقتصادياً. هكذا وصفت مجلة «الإيكونومست» حال العالم عام 2018، في عددها المزدوج الصادر في 22 ديسمبر الماضي، والذي يتصدره عنوان ‏Christmas Double Issue.
وربما يعود هذا التقلب السياسي إلى شيوع عدم اليقين على كل صعيد تقريباً، رغم التقدم العلمي والتكنولوجي المذهل الذي كان مفترضاً أن يجعله أكثر ثقة. يعاني العالم أزمة ثقة، سواء في العلاقات بين عدد متزايد من الدول، بما في ذلك دول تجمعها أحلاف قديمة، وأخرى تربطها مصالح كبيرة، أو في التفاعلات الداخلية حيث تقل معدلات ثقة المواطنين في المؤسسات السياسية في الدول الغربية خاصة.
وتؤثر تقلبات العالم على الأزمات الكبيرة في مناطق عدة، ومن أهمها أزمات المنطقة العربية، والشرق الأوسط عموماً. ظلت الأزمات العربية، التي اشتعلت منذ بداية العقد الجاري، تشغل العالم عام 2018، وستظل كذلك في العام الجديد، دون أن يعني هذا بالضرورة أنها أخطر من غيرها. لكن الفرق أن الأزمات الكبرى في مناطق أخرى تتفاوت حدتها من وقت لآخر، إذ تسخن هذه أو تلك منها حيناً، وقد تشتعل، لكنها لا تلبث أن تهدأ لفترة قد تكون أطول، بخلاف أزمات منطقتنا المتواصلة منذ سنوات.
كانت الأزمة بين موسكو وكييف آخر الأزمات التي سخنت في نهاية 2018 عندما اعترضت البحرية الروسية سفناً أوكرانية في مضيق كيرتش، وأسرت البحارة الذين كانوا على متنها. وفي نهاية العام أيضاً لم يكن هناك يقين بشأن مسار الأزمة التي هدأت في منتصفه بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، بعد أن بلغت ذروة اشتعالها في مطلعه. ورغم أن وتيرة الصراع على بحر الصين الجنوبي ظلت منخفضة خلال 2018، باستثناء لحظات قليلة في فترات مختلفة بدا فيها أنها تتجه إلى التصاعد، فقد أثار اشتداد الخلافات التجارية بين الولايات المتحدة والصين القلق من احتمال انعكاسها على هذا الصراع.
ومن طبائع الأمور، أن العلاقة وثيقة بين الأزمات العربية والصراعات الدولية والإقليمية. وقد انتهى العام فيما بدأت القوات الأميركية في سوريا العودة إلى بلادها، مفسحةً الطريق إما إلى معارك عسكرية جديدة في شرق سوريا، وشمالها الشرقي، أو إلى إعادة ترتيب الأوضاع هناك على نحو قد يفتح باباً لجهود سلمية أكثر إثماراً.
كما بدأت، في نهاية العام، مفاوضات حول الأزمة اليمنية يؤمل أن تكون أكثر جدية بين الحكومة الشرعية والقوى الانقلابية، ويُخشى أن يؤدي سوء إدارة نتائجها من جانب الأمم المتحدة إلى تمكين الانقلابيين من الالتفاف عليها، وإحباطها.
وبدا، أيضاً، في نهاية العام، أن الأزمة الليبية مازالت تدور في حلقة مفرغة. فقد حاول المبعوث الأممي الجديد غسان سلامة خلق أجواء من التفاؤل عبر إعلان عقد «مؤتمر وطني» في الشهر المقبل، كما فعل سابقه مارتن كوبلر في آخر العام الماضي عندما تحدث عن استفتاء على دستور جديد، وإجراء انتخابات. غير أن عام 2018 مضى، بينما الوضع في ليبيا «محلك سر» تقريباً على صعيد الحل السياسي، رغم إطلاق عدة مبادرات من باريس إلى باليرمو، وإن لم يخل من إيجابيات أخرى أهمها إحراز الجيش الوطني تقدماً جديداً في بعض المحاور من بنغازي إلى درنة.
وإذا كانت بعض الأطراف الداخلية مسؤولة عن تعثر جهود تسوية هذه الأزمات، فالمؤثرات الدولية والإقليمية لا تقل أهميتها، بل تزيد في كثير من الأحيان. فقد تحولت اثنتان من الأزمات الأكثر سخونة (السورية والليبية) إلى نمط الحرب بالوكالة. وأصبحت مصالح كل من إيران وتركيا وروسيا، وتذبذب السياسة الأميركية، وقوداً يُغذي هذه الحرب في سوريا حتى في أوقات توقف المعارك، أو انخفاض وتيرتها. كما تؤدي مصالح بعض الدول الأوروبية، والتدخلات التركية والقطرية، إلى إطالة أمد الأزمة الليبية، وتفريغ أية مبادرة للحل من مضمونها.
وهكذا، أصبح سعي بعض القوى الإقليمية والدولية إلى الحصول على أكبر مقدار من المكاسب في البلدين عائقاً أساسياً أمام وضع أزمتيهما على طريق التسوية، في الوقت الذي تُعرقل أطماع إيران إحراز تقدم باتجاه حل الأزمة اليمنية.
وإذ تبدو المسارات المحتملة للأزمات العربية عام 2019، مرتبطة بحال التقلب في العالم، وانعكاساتها على الشرق الأوسط، يصبح التقدم نحو حلها متوقفاً على تحقيق شيء من الاستقرار في المعادلات الدولية.