في الوقت الذي كان فيه غالبية أفراد الجنس البشري يحتفلون بحلول السنة الميلادية الجديدة، قضى مدير منظمة الصحة العالمية الدكتور «تودرس جبريسيس» آخر أيام العام المنصرم، وأول أيام العام الجديد، في زيارات طارئة للمناطق التي ينتشر بها حالياً وباء فيروس الإيبولا في جمهورية الكونغو الديموقراطية. وتأتي هذه الزيارات في أعقاب أعمال شغب واضطرابات مدنية، نتج عنها تخريب النقاط والمراكز الصحية المعنية بمكافحة الوباء، خاصة تلك التي تعتمد على التطعيمات الطبية، وبإجراء المسوحات، ومتابعة حالات الإصابة بالفيروس وحدود النطاق الجغرافي لانتشاره.
وتأتي أعمال الشغب وتخريب المنشآت الصحية تلك، في وقت تتعرض فيه جمهورية الكونغو الديموقراطية، منذ بداية أغسطس الماضي، لوباء من فيروس الإيبولا، أصاب حتى الآن أكثر من 600 شخص، توفي منهم 377، أي بمعدل وفيات يزيد عن 60 في المئة، على حسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة.
والإيبولا مرض معد، يعرف علمياً باسم مرض الحمى النزفية الفيروسية، حيث يعتبر النزيف الداخلي والخارجي من أهم علاماته وأعراضه، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الأعراض الشبيهة بأعراض الإنفلونزا، مثل الحمى، والرعشة، والإرهاق العام، وآلام المفاصل والعضلات. وغالبا ما يتصاحب المرض مع إسهال شديد، وأعراض تدل على إصابة الجهاز التنفسي، مثل الكحة، والتهاب الحلق، وصعوبة التنفس، أو على إصابة الجهاز العصبي المركزي، مثل الارتباك، والتهيج، ونوبات التشنج، والغيبوبة أحياناً. وينتقل الفيروس غالباً عن طريق الدم، من خلال استخدام الحقن الملوثة مثلاً، وعن طريق سوائل الجسم بين الأشخاص المتقاربين، وربما أيضاً من خلال طرق أخرى غير معروفة أو مفهومة بالكامل حالياً.
وينتشر الفيروس بشكل رئيس في دول وسط القارة الأفريقية، من الشرق إلى الغرب، وتصنف أنواعه على حسب دولة المنشأ، إلى النوع «الإيفواري»، والسوداني، والزائيري، والذي يعتبر أخطر الأنواع على الإطلاق، بنسبة وفيات تتخطى تسعين بالمئة بين المصابين، وهو أيضا النوع المسؤول عن أول وباء معروف للفيروس ظهر عام 1976 في زائير، أو الكونغو الديموقراطية حالياً.
وعلى الرغم من أن الدور الذي تلعبه المنظمات الصحية الدولية، مثل منظمة الصحة العالمية، يوفر إطاراً فعالاً ومهماً للتعاون الدولي في مجال مكافحة الإيبولا حالياً، ومنع انتشارها بين الدول والقارات، إلا أن المعركة الحقيقية تدور رحاها حالياً على المستوى المحلي، بين أفراد الطاقم الطبي، وبين واحد من أخطر الفيروسات التي قد تصيب أفراد الجنس البشري. ولذا يجب على المجتمع الدولي حالياً، أن تتضافر جهود أفراده، وأن يسارع بتوفير الدعم الفني والمالي لمن هم على الجبهة وفي الخطوط الأمامية. ويجب أيضا ألا ننسى جميعاً أن أوبئة الأمراض المعدية الخطيرة، حتى وإن كانت بداياتها محلية متواضعة، أصبح لا يوجد أمامها الكثير من العوائق التي تمنعها من أن تتحول إلى أوبئة عالمية بكل المقاييس، لا تبقي ولا تذر.
وعلى خلفية ظاهرة العولمة الحالية، وسهولة الانتقال والسفر بين الدول والبلدان، والدور الذي يلعبه ذلك في انتشار الأمراض والأوبئة بين قارات ومناطق العالم المختلفة والمتباعدة، أصدرت منظمة الصحة العالمية قبل بضعة أعوام تقريراً خاصاً بعنوان «الأمن الصحي العالمي». وبخلاف كون ذلك التقرير طرح مفهوماً جديداً، متمثلاً في الأمن الصحي العالمي، ألقى أيضاً بالضوء على جوانب العلاقة بين تصاعد ظاهرة العولمة وتزايد انتشار الأمراض والأوبئة. فالعولمة بطبيعتها، تعتمد على زيادة حركة البضائع والأشخاص بين مناطق ودول العالم المختلفة، وهو ما يسهل بدوره أيضاً انتقال الجراثيم والميكروبات بين تلك المناطق والدول. ففي زمن العولمة، تلاشت المسافات، واختفت العوائق الجغرافية، وأصبحت الأوبئة منذ لحظة ولادتها، دولية الصفة وعالمية المخاطر.
هذا الواقع بالتحديد، هو مصدر القلق لدى الكثيرين، من أن الوباء الذي يجتاح حالياً دولة واحدة في وسط أفريقيا، وتمكن حتى الآن من قتل المئات من سكانها، يمكن له في أي لحظة أن ينحى مثلاً منحى وباء الإيبولا عام 2014، والذي انتشر حينها بين عدد من الدول، وخرج في بعض الحالات عن نطاق القارة الأفريقية بأسرها، وتمكن من قتل الآلاف في غضون فترة قصيرة. وربما حتى أن يتحول الوباء الحالي بمرور الوقت، إلى جائحة عالمية، تشمل عدداً كبير من الدول عبر قارات مختلفة، ينتج عنها وفاة عشرات الملايين من البشر، ما يجعل الوباء الذي تواجهه الكونغو حالياً قنبلة صحية عالمية موقوتة بكل المقاييس.
*كاتب متخصص في الشؤؤن العلمية