تحدثت بعض النظريات والمفكرين عن دور الشخصيات والأفراد في التاريخ، إلا أن تجربة الإمارات تقدم نموذجاً حياً عن قدرة القائد على إحداث التغيير والتقدم وتحقيق الإنجازات المثيرة للإعجاب، فتجربة مؤسس الاتحاد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه - في بناء دولة الإمارات تعتبر نموذجاً للتجربة الناجحة التي استطاع القائد حجز مكانة كبيرة لوطنه بين بلدان العالم وحقق لشعبه حياة كريمة وراقية تنمو وتتجذر في ظل القيادة الحالية للدولة.
وفي هذا الجانب تأتي تجربة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي لتشكل حالة تنموية عالمية قل نظيرها، إذ ليس من السهل أن تضع تجربتك إلى جانب أهم التجارب التنموية نجاحاً في العالم، بل وتتخطاها في العديد من المؤشرات، وليس سهلاً أن ُتحول وطنك إلى مركز عالمي للتجارة والأعمال ومركز مالي إلى جانب أهم المراكز المالية العريقة وفي فترة زمنية قصيرة، وليس سهلاً أن تحول ديرتك إلى قِبلة للمؤسسات الدولية ولكبار رجال الأعمال والفن والثقافة والرياضة، وليس سهلاً أن تبني شركات عملاقة في مجال الطيران والخدمات البحرية واللوجستية تنافس بها أعرق الشركات، وليس سهلاً أن تبني واحدة من أكثر البنى التحتية تطوراً، كما أنه ليس من السهل أن تعدد المراكز الأولى التي تحققت إقليمياً وعالمياً في تحدي لكل الصعوبات والمعوقات التي لانت تحت الإرادة الفولاذية لقائد لا يعرف المستحيل.
خمسون عاماً عشت شخصياً أربعين منها تقريباً عن قرب أتابعها أولاً بأول، بل شاءت الظروف أن أكون شديد القرب منها، تلك التجربة التي تُشكل مدرسة بحد ذاتها، المدرسة التي تعلم منها الكثيرون وأضحت نموذجاً يُحتذى به، فقد تعلمنا أن الثروة الحقيقية تكمن في الإنسان وفي الإدارة الجيدة للموارد والإمكانات المتوفرة والعمل الجاد والمتفاني الذي لا يعرف معنى التراخي والتعب، حيث يمثل القائد المثل الأعلى في الإخلاص وسرعة الإنجاز في سباق مع الزمن، فالعمل الجاد يتواصل منذ شروق الشمس وربما إلى ما بعد حلول الظلام، وفي أوقات كثيرة عندما تهم بالمغادرة مع حلول المساء بعد يوم متعب، إلا أنه تعب جميل ومحبب للقلب لخدمة الوطن، تجد أن الأنوار لا زالت مضاءة في مكتب القائد، فهو لا زال هناك، لا زال يعمل ويبدع وينجز، تتساءل ما كل هذه الطاقة التي لا يمكن مجاراتها؟ وما كل هذا الحب لتراب الوطن الذي تحول إلى ذهب بفضل هذا العمل المتفاني والإخلاص، فترجع لمكتبك محملاً بطاقة إضافية، فالمثل الذي أمامك يشكل قدوة تتعلم وتستفيد منها الكثير.
عندما يتحقق الإنجاز، فإن الفرحة لا تتحملها مساحة الدنيا لدى سموه، وترى وجهاً كريماً يشع ببريق غير عادي وبسعادة غامرة لا توصف، أما في حالة التأخير أو الاستعجال، فإن التوجيهات والإرادة الصلبة تذيب وتزيل كل المعوقات بعمل دؤوب ومتواصل الليل بالنهار، وكما قال سموه: «منْ يُقصّر فسوف يترك مكانه للأجدر والقادر على الإنجاز». لا تهاون في ذلك، فالسباق مع الزمن من أصعب أنواع السباق، والذي يتقنه الفارس بخبرته وعزمه الذي لا يلين.
وبجانب ذلك، تجد إنساناً بقلب كبير ومحب لكل ما هو خير وسعادة للآخرين، وعادل يكافئ المجتهد والمخلص ويحاسب المقصر، إلى جانب مدارات الناس والتخفيف من معاناتهم، وإعطاء كل ذي حق حقه بروح إنسانية جميلة وكرم شهم لشخصية كتبت تاريخها بحروف من ذهب، وقدمت تجربة تنموية سيستفيد منها العالم لسنوات طويلة، وستتعلم منها الأجيال المتتالية، ودونت باختصار شديد في وثيقة الخمسين ومبادئها الثمانية.
لسموك الكريم كل الشكر والتقدير والعرفان، فتدوين هذه الأسطر القليلة، هو جزء من تجربة لتسجيل كلمة حق صادقة لقائد استثنائي أطال الله سبحانه وتعالى في عمره ومنحه الصحة، فالكلمات لا توفيه حقه المحفوظ في القلوب والوجدان.
*مستشار وخبير اقتصادي