أحد أكثر الحجج تداولاً ضد قرار الرئيس دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا هو أن الانسحاب سيقوّي إيران. ولكن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي بدأ الثلاثاء جولة شرق أوسطية تدوم أسبوعاً، يسوق حججاً مثيرة للاهتمام تبين لماذا لن يكون الأمر كذلك. والواقع أن ترامب نفسه منح منتقديه ذخيرة في اجتماع لمجلس وزاري الأسبوع الماضي، عندما لفت إلى أن إيران باتت «تستطيع فعل ما تريده» في سوريا. ولكن تصريحه هذا كان وصفياً فقط، وليس تنبؤاً بما سيحدث حينما ترحل الولايات المتحدة. وفضلا عن ذلك، فقد شدد بومبيو، في مقابلة معه بعد يومين على ذاك الاجتماع، على أن الولايات المتحدة ما زالت ملتزمة بطرد إيران ووكلائها من سوريا – وكذلك تجاه استراتيجية أكبر للتصدي لإيران عبر المنطقة.
«تلك الاستراتيجية لم تتغير قيد أنملة»، هكذا قال لي بومبيو الذي أضاف: «إن عنصراً واحداً من ذلك سيتغير - خفض عدد القوات في سوريا سيتغير - ولكن المهمة المحددة لم تتغير البتة». والولايات المتحدة، كما يقول، ستواصل العمل على تقليص النفوذ الإيراني في سوريا والعراق ولبنان واليمن. قبل أسبوعين، كانت تصريحات بومبيو ستبدو ساذجة. ولكن يتبين الآن أن الانسحاب الأميركي من سوريا ليس دراماتيكياً مثلما بدا أول مرة، إذ تفيد صحيفة «وول ستريت جورنال» الآن بأن تركيا طلبت من الولايات المتحدة مواصلة الولايات المتحدة توفير الدعم اللوجيستي والنقل والضربات الجوية بينما يعد جيشها العدة لدخول سوريا. «بومبيو أشار إلى أن الحملة ضد إيران في سوريا والمنطقة أوسع وتشتمل على عدة مكونات، بعضها علني، مثل العقوبات ضد معظم البنوك الإيرانية وقطاعها النفطي، والجهود الدبلوماسية للضغط على الدول الأوروبية حتى تأخذ على محمل الجد بعض خطط الإرهاب والاغتيالات الإيرانية المحبَطة التي اكتُشفت مؤخراً. ولكن المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية لفت أيضاً إلى عناصر أخرى إذ قال: «ثمة الكثير من الأشياء العلنية التي تحدث، ولكن هناك أنشطة أخرى تحدث أيضاً».
جولة وزير الخارجية الأميركي من المقرر أن تأخذه إلى كل من الأردن ومصر والبحرين والإمارات وقطر والسعودية وعُمان والكويت. وأحد أهدافها الرئيسية هو طمأنة هؤلاء الحلفاء بأن الولايات المتحدة ما زالت ملتزمة بوقف تحركات إيران في المنطقة.
تصريحات بومبيو تمثّل أيضاً تذكيراً بأن ثمة حدوداً لتأثير السيناتور «راند بول» على ترامب. وكان«بول»واحداً من «الجمهوريين» الذين دافعوا عن قراري ترامب الشهر الماضي سحب القوات من أفغانستان وسوريا، مما أثار تكهنات بأن سيناتور كنتاكي يطبق سياسته الخارجية.
ولكن هذا ليس واقع الحال. فكما أشرتُ إلى ذلك السنة الماضية، فإن «بول» فشل إلى حد كبير في إقناع ترامب ببدء جولة جديدة من المفاوضات حول الحد من التسلح مع روسيا. كما أن «بول» من المتحمسين لمفاوضات أميركية مع إيران، وهي إمكانية كان يلوّح بها ترامب من حين لآخر. وقال لي «بومبيو» إنه لا توجد مخططات حالياً لبحث إمكانية إجراء مفاوضات. وإذا لم يقل إن تغيير النظام يمثّل سياسة أميركية، فإنه قال: «إن تمثيلية الديمقراطية الإيرانية هي ما نأمل إصلاحه. فنحن نريد أن تُسمع أصوات الشعب الإيراني، ونريد أن تصغي الحكومة لهذه الأصوات».
وإذا تركنا إيران جانبا، فإن أهم نتائج الانسحاب السوري هي العلاقة الأميركية مع أكراد البلاد، الذين قاتلوا مع القوات الخاصة الأميركية ضد تنظيم «داعش» منذ 2015. وكان الرئيس التركي قد هدد بهجوم عسكري على المواقع الكردية في أوائل ديسمبر الماضي، ولكنه تراجع بعد إعلان ترامب. وأشار بومبيو إلى محادثات رفيعة المستوى في أنقرة هذا الشهر مع أردوغان وحكومته قائلا: «إننا في حاجة لإجراء حوارات طويلة مع الأتراك حول شكل هذا الأمر بعد الانسحاب».
أحد عناصر الاستراتيجية الأميركية، وفق بومبيو، هو استمرار العلاقة مع الأكراد السوريين. وقال في هذا الصدد: «سنجد علاقة معهم تستجيب لكل اهتماماتنا»، مضيفا «إن علاقاتنا لا تقتصر على العلاقات بين الجيشين، بل نحن منخرطون دبلوماسيا أيضا». ثم أردف قائلا: «إننا ندرك العمل الجيد الذي قاموا به، ونقدّر ذلك وسنفعل كل ما في وسعنا للوفاء لذلك». ولكن سيتعين على أكراد سوريا انتظار تفاصيل أكثر بخصوص الدور الذي سيلعبونه في مخططات أميركا الأكبر للشرق الأوسط. ولا شك أن لديهم أسباباً ليكونوا حذرين إزاء النوايا الأميركية، غير أنه في الوقت الراهن بوسعهم إيجاد بعض العزاء في تصريح وزير الخارجية الأميركي من أن أميركا لا تنوي خذلانهم.
 
إيلي ليك
محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»