مر عام آخر من الترويج بلا هوادة للذكاء الاصطناعي وإنجازاته المتزايدة. ولا تزال الآلات تهزم البشر فقط في البيئات التي تم تشكيلها بعناية أو في مهام محدودة. والخبر السار هو أنه مع تقدم التكنولوجيا، لا يزال السباق على القيادة مفتوحاً على مصراعيه، وحتى أوروبا، حيث يشعر السياسيون بالقلق من أن تتخلف القارة عن الصين والولايات المتحدة، ما زالت تعد سوقاً تنافسية إلى حد كبير.
ووفقاً للتقرير السنوي لمؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2018، والذي تضم لجنته التوجيهية كبار الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي، مثل «يواف شوهام» من جامعة ستانفورد و«إيريك برينجولسون» من معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا، فقد أحرز الذكاء الاصطناعي تقدماً في كافة الإجراءات المتبعة. وبعض المقاييس، بدءاً من عدد الأبحاث المنشورة وحضور المؤتمرات، إلى التنويهات عن المكالمات التي تتناول أرباح الشركات، وفي جلسات الاستماع البرلمانية، تقيس هذه الدعاية. وتعكس مقاييس أخرى تحسن الأداء. وفي هذا العام، أصبح الذكاء الاصطناعي أكثر دقة وسرعة في اكتشاف الصور. كما أحرز تقدماً في إعراب البنية النحوية للجمل، والإجابة عن الأسئلة متعددة الاختيارات والترجمة. وسواء كان هذا التقدم يقربنا أكثر من أن يصبح الإنسان ذا قوة خارقة حقاً، أم لا، فإن الذكاء الاصطناعي هو أمر مختلف.
في مجال الترجمة، يستخدم مقياس يطلق عليه «بديل التقييم ثنائي اللغة» لتحديد الدقة. فهو يقارن الجمل المترجمة آلياً بتلك المترجمة بوساطة خبراء بشريين، وفي هذا العام كانت نصف الترجمات التي تم إنجازها آلياً بين المقالات الإخبارية الإنجليزية والألمانية تقاس وفقاً لتلك المترجمة بوساطة البشر. وهذا العام، أعلنت شركة مايكروسوفت، مع قدر كبير من الجعجعة، أن أداء الذكاء الاصطناعي لديها يماثل أداء البشر في ترجمة الأخبار من الصينية إلى الإنجليزية. لكن التقرير الأساسي يشير إلى نتائج أقل بكثير بالنسبة للترجمات الصينية مقارنة بالنتائج الألمانية المنشورة، ودرجات الدقة التي وضعها مقيّمون بشريون تتراوح ما بين 50 -70%. ولا تزال خوارزميات الترجمة الآلية تنتج الكثير من الهراء، ولكنها في معظمها مفيدة، بشكل محدود، للأشخاص الذين لديهم إلمام باللغتين والسياق. ومن ناحية أخرى، فإن النظام المحسّن للتعرف على الصور صنع معجزات في بعض مجالات الطب. على سبيل المثال، فقد طوّر جوجل نظاماً لتصنيف سرطان البروستاتا، وهو يفعل ذلك بدقة أكبر من علماء الأمراض في الولايات المتحدة.
كما حقق فريق من جامعة ستانفورد نجاحاً مماثلاً بالنسبة لسرطان الجلد. حيثما توجد الكثير من البيانات ويتم تقييم درجة الدقة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في اتخاذ قرارات أفضل، على الرغم من أنه ما زال يخطئ بشكل منتظم عندما يتم تدريبه على مجموعات من البيانات المتحيزة أو يتم خداعه عن قصد. أما البشر فهم أقل عرضة للخطأ في التعرف على الأشياء، وهم أكثر قدرة على تصحيح تحيزاتهم.
في بعض الأوقات، يمكن لمهارات استخراج البيانات والإجابة عن الأسئلة أن تجعل أداء الذكاء الاصطناعي يبدو تقريباً مثل أداء البشر. وفي هذا العام، قدمت شركة «آي بي إم» التكرار الحالي لنظام ذكاء اصطناعي يطلق عليه «بروجيكت ديبيتير» (Project Debater) (هو نظام مصمم للدخول في مناظرات مع البشر من خلال تقديم حجج مترابطة وقوية في موضوع ما، مع قدرته الفائقة على معالجة مجموعات كبيرة من البيانات حول موضوع المناظرة)، والذي يحاول أن يناقش الأشخاص الذين يتشبثون بقواعد هذه المسابقات. تبدو التمرينات مثيرة للإعجاب – حيث تقوم الآلة بجمع البيانات وترتيبها بشكل فوري، وتضعها في جمل صحيحة نحوياً وتدرج نكات مكتوبة مسبقاً في الأماكن الصحيحة تقريباً. ولكن كخبير في مجال الذكاء الاصطناعي، اكتشفت أنه كان يميل إلى مجرد تكرار نقاطه رداً على الحجج. وفي حين أن فكرة وجود آلة، ذات قدرة بشرية فائقة على تحليل البيانات، تشارك في طرح الأفكار، هي فكرة مثيرة، «فإننا بالتأكيد لسنا على وشك رؤية أنظمة ذكاء اصطناعي تتفوق في النقاش على نظرائها من البشر»، بحسب ما كتب الخبير «كريس ريد» من جامعة «داندي» في اسكتلندا. واختتم حديثه قائلاً: «إن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي اليوم بعيدة عن هذه السيناريوهات كبعد تجارب الرومان مع قوة البخار من الثورة الصناعية».
وكما يحدث في كثير من الأحيان مع التقدم التكنولوجي، يحظى الذكاء الاصطناعي بقدر كبير من الاهتمام في وقت مبكر للغاية. ولكن في السنوات السابقة، لو كان بعض الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي قد تبرموا من أن الدعاية ربما تعرقل التقدم لأن الناس سيصابون بخيبة الأمل من الوعد الذي لم يتم الوفاء به من لعبة لامعة، لأصبح الاهتمام بالذكاء الاصطناعي مستداما إلى حد كبير، ولكانت الموارد المالية والفكرية التي خصصت له هائلة. والآن، فإن التنافس في مجال الذكاء الاصطناعي هو مسألة مكانة بالنسبة للدول الكبرى.
حتى الآن، تتمتع الولايات المتحدة وأوروبا والصين بقوتها. وتظهر البيانات الواردة في تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي أن الولايات المتحدة هي القائد الجامح في مجال براءات الاختراع وهي جنباً إلى جنب مع الصين، تتفوق في عدد الأوراق المقدمة والمقبولة من قبل مؤتمرات الذكاء الاصطناعي الرئيسة. ولكن في أوروبا يتم نشر أكبر عدد من أبحاث الذكاء الاصطناعي (28% من إجمالي العدد، مقابل 25% للصين و17% للولايات المتحدة). يقول تقرير نشره مركز الأبحاث المشتركة التابع للمفوضية الأوروبية هذا الشهر إن الاتحاد الأوروبي هو الموطن لربع ما يقرب من 35,000 كيان يعمل في مجال الذكاء الاصطناعي اليوم، مقابل 28% بالنسبة للولايات المتحدة و23% بالنسبة للصين.
ولا تحتاج أوروبا في الحقيقة إلى تدخل حكومي ضخم للحاق بالركب، كما كان الحال في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي عندما هيمنت بوينج على صناعة الطائرات. لكن الاتحاد الأوروبي والحكومات في أميركا الشمالية والصين ستصب مزيداً من الموارد في الذكاء الاصطناعي في السنوات القادمة، ومن المرجح أن تتبلور نماذج التنمية المتميزة في البلدان الرئيسة المنافسة.
وبغض النظر عن مدى نجاح التكنولوجيا في نهاية المطاف، فقد اشتركت الدول الكبرى بالفعل في الحصول على القوة الناعمة والتنافس الأيديولوجي. إنها إعادة في القرن الحادي والعشرين لسباق يشبه سباق الفضاء في القرن الماضي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»