ظلت العلاقات قوية بين الهند والولايات المتحدة استناداً على القلق المشترك من صعود الصين، فالكونجرس وقّع على «قانون مبادرة إعادة الطمأنينة لآسيا» التي تدعو إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية مع الهند

إدارة ترامب مرتبكة فيما يبدو بشأن كيفية معالجة خروج القوات الأميركية من مستنقع أفغانستان. والرئيس ترامب، استطاع بسهولة أن يزيد العلاقات سوءاً مع بعض من أقرب حلفاء الولايات المتحدة. ورغم أن الهند ظلت حتى الآن على علاقة جيدة بالولايات المتحدة- بل تنامت العلاقات بين البلدين بسرعة بسبب الهدف المشترك للبلدين المتمثل في الوقوف في وجه تنامي القوة الصينية- لكن هذه العلاقات شهدت بعض المنغصات من حين إلى آخر.
فقد وجدت الهند نفسها في حيرة حين قلل الرئيس الأميركي في بيان صدر خلال الآونة الأخيرة من مساهمة الهند في جهود إعمار أفغانستان، فقد أشار ترامب إلى أن البلد الواقع في جنوب شرق آسيا، من بين دول أخرى، يجب أن يرسل قواته إلى أفغانستان. صحيح أن ترامب وصف رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» بأنه زعيم ذكي انسجم معه بشكل رائع، لكن الرئيس الأميركي تهكم على الزعيم الهندي بكتابة تغريدة على «تويتر» قال فيها إن «مودي» دأب على الكلام معه عن بناء الهند لمكتبة في أفغانستان. وتساءل ترامب عما إذا كان من المفترض أن تشكر الولايات المتحدة الهند على بناء مكتبة. ولم يتوقف ترامب عند هذا الحد لكنه تساءل عمن عساه يستخدم هذه المكتبة في أفغانستان، وأنه لا يروقه أن تتحدث عنها الهند باعتبارها من جميل الصنع.
وهذه التعليقات أربكت كثيرين في الهند. فقد تزايد تورط الهند في أفغانستان بما في ذلك مشاركتها لأول مرة في محادثات سلام شاركت فيها أيضاً حركة «طالبان» وعقدت في موسكو قبل شهرين. وكانت الهند تصر دوماً من قبل على أن عملية السلام يجب أن تقودها الحكومة الأفغانية وحدها ولم تعترف ب«طالبان». لكن نيودلهي الآن تعيد النظر فيما يبدو في القوة الاستراتيجية لـ«طالبان»، وتفكر في مشاركة «طالبان» في عملية السلام الأفغانية.
وبينما رفضت الهند إرسال قوات إلى أفغانستان، لكنها أنفقت حتى الآن أكثر من ثلاثة مليارات دولار في إقامة بنية تحتية تضمنت بناء البرلمان الأفغاني. وتورطت نيودلهي أيضاً في البلد الذي تمزقه الحروب عبر عدة وسائل تضمنت تعاوناً أمنياً على نطاق ضيق، وقدمت طائرات هليكوبتر وأجهزة رادار لكابول. والهند تشارك حالياً في تطوير ميناء «جابهار» في إيران الذي سيوفر طريقاً بديلاً لأفغانستان بدلاً من مرور البضائع عبر باكستان القلقة من التورط الهندي في أفغانستان. كما تعبد الهند طريقاً سريعاً بطول 218 كيلومتراً من «زرانج» إلى «دلآرام» لنقل البضائع إلى الحدود الإيرانية. وبخلاف هذا هناك أكثر من 3500 أفغاني يخضعون لبرامج تدريب في الهند كما تقدم الهند 1000 منحة دراسية سنوياً للأفغان.
ومن الواضح أن الولايات المتحدة تريد الخروج من فوضى أفغانستان في أقرب وقت بعد أن فقدت آلاف الجنود ومليارات الدولارات. وقبلت واشنطن في نهاية المطاف أنه دون مشاركة «طالبان» في أي حكومة في المستقبل لن يحل السلام أبداً في أفغانستان. ومن ثم تريد واشنطن في جانب استغلال الوساطة الحميدة لكل الزعماء العرب والمسلمين وخاصة في دول الخليج العربي الذين يتمتعون ببعض النفوذ والاحترام لدى «طالبان» وقيادتها. وفي الجانب الآخر تريد من الهند التي تحافظ على نفوذها في أفغانستان، وأن توافق على إحلال القوات الأميركية بجنود هنود.
ورغم هذه المنغصات، ظلت العلاقات قوية بين الهند والولايات المتحدة استناداً على القلق المشترك من صعود الصين. وكان هذا واضحاً حين وقع الكونجرس على «قانون مبادرة إعادة الطمأنينة لآسيا» التي تدعو إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية مع الهند. والقانون الجديد قد يؤدي إلى جولة جديدة من التعاون العسكري مثل بيع عتاد دفاعي للهند. ووصف القانون الهند بأنها شريك دفاعي أساسي ووصفها بالفريدة. وهذا الوصف الذي أطلق عام 2016 «يصعد بمستوى تجارة الدفاع والتعاون التكنولوجي بين الولايات المتحدة والهند إلى ما يلائم أقرب حلفاء وشركاء الولايات المتحدة». ودعا القانون أيضاً إلى تعزيز وتوسيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة والهند. والاعتراف بالدور الحيوي للشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند في دعم السلام والأمن في منطقة الهادي والهندي».
والعلاقات بين الهند والولايات المتحدة أصبحت أكثر قرباً أثناء فترة ولاية الرئيس ترامب مع تعزيز التعاون العسكري ووعد بالعمل عن كثب في منطقة آسيا والهادئ، وسط مخاوف مشتركة بشأن تنامي قوة الصين. فالهند قلقة من الحضور المتصاعد للصين في جنوب آسيا. وجاء«قانون مبادرة إعادة الطمأنينة لآسيا»، كتأكيد من الولايات المتحدة للهند بأنها لن تتخلى عنها، رغم كل عدم القدرة على توقع أفعال ترامب. والولايات المتحدة لديها في نهاية المطاف مصالح مهمة وراء تعزيز العلاقات مع الهند. فواشنطن تخشى التهديد المحتمل، الذي قد تمثله الصين في المنطقة، وترغب في إحداث توازن بتوثيق العلاقة مع شريك قوي آخر في آسيا. ولذا، ربما يصرح ترامب بتعليقات غريبة، لكن من المتوقع أن تتزايد قوة العلاقات بين الهند والولايات المتحدة.
* رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي.