في الزمن الحالي، وبعد عدد من الهزائم المتلاحقة التي مُني بها تنظيما «القاعدة» و«داعش» في العالم العربي، خاصة سوريا والعراق، يبدو بأن التركيز آخذ في التحول إلى مناطق أخرى من العالم الإسلامي لكي يمارس الإرهابيون نشاطاتهم.
ويبدو من طبيعة العمليات التي تنفذ ومن بيانات تبني المسؤولية التي تطلق بأن «داعش» هو الذي يقف وراء معظم العمليات.
ونظراً لطبيعة تكوين «داعش» الفضفاض، فإن كل جماعة إرهابية غير معروفة أو مجموعة إرهابيين يلتئمون إلى بعضهم بعضاً، ويقومون بتنفيذ عملية هنا أو هناك، يبادرون بتنسيب مجموعتهم، إما إلى «داعش»، أو إلى القاعدة.
ورغم عدم وجود أدلة قاطعة في بعض الحالات تجرم «داعش» أو «القاعدة» مباشرة، إلا أن قيادات التنظيمين تقوم بالتأكيد على تبني العمليات رغبة في إبراز صورتهم بأنهم باقون وموجودون كتنظيمات ويمارسون نشاطاتهم كالمعتاد.
بالنسبة لـ«داعش» الذي نشأ كتفرع من «القاعدة» الأم درج قادته في السنوات الأخيرة على منافسة «القاعدة» على قيادة الإرهاب العالمي كحركة إرهابية عالمية لها وجود في كل مكان، وذلك منذ منتصف عام 2014.
ونتيجة لذلك صارت تنظيمات إرهابية محلية تنفذ عمليات محدودة ثم تنسب نفسها وعملياتها إلى «داعش»، يحدث ذلك في إندونيسيا وماليزيا والفلبين وتركيا وباكستان وبنجلاديش، وحتى في الهند وذلك منذ 2014 إلى يومنا هذا.
وفي ما بين مايو وأكتوبر 2017 قامت مجموعة مسلحة نسبت نفسها إلى «داعش» بشن حرب استمرت لخمسة أشهر ضد الجيش الفلبيني لكي تسيطر على جنوب الفلبين ذو الأغلبية المسلمة بهدف إقامة ولاية إسلامية شرقية ترتبط بتنظيم «داعش».ورغم أنه تم القضاء على الحركة عملياً، إلا أنه طالما تم غرس الأيديولوجيا المتطرفة، فإن المنطقة ستظل تعاني خطر الإرهاب لأمد طويل.
وفي تركيا خلال أقل من عام منيت البلاد بعدد من الأعمال الإرهابية الدموية، آخرها ذلك الذي نال من مطار أتاتورك في اسطنبول، وهو صرح يفترض أن تكون الإجراءات الأمنية فيه متطورة، لكن يبدو بأن طوفان الإرهاب قد فاق حده، وأصبحت البشرية تقف وهي عاجزة أمامه.
ووفقاً للسلطات التركية هويات المنفذين ليست من جنسية واحدة، بل من عدة جنسيات، الأمر الذي يؤكد بأن الإرهاب لاهوية ولاجنسية له، وقد يقترفه أي شخص ومن أية ملة أو دولة أو دين أو عرق.
إن معظم الحكومات ومؤسساتها الإخبارية تعزو معظم العمليات إلى تنظيم «داعش» الإرهابي، حتى وإنْ لم يُعلن التنظيم مسؤوليته عنها صراحة.
لكن المهم في الأمر هو أن موجات الإرهاب والعنف ضد الأبرياء عن طريق العمليات الانتحارية التي ينفذها الأفراد في تزايد، فمن تركيا إلى أوروبا إلى العراق إلى أفغانستان وباكستان والهند وبنجلاديش، وانتهاءً بماليزيا وإندونيسيا والفلبين يتم تنفيذ هذا النمط من العمليات الإرهابية دون أن تتمكن الجهات الحكومية من إيقافها والحد منها، فما بالك بالقضاء المبرم عليها.
إن ذلك يحدث رغم الخبرة والكفاءة والإمكانيات البشرية والمادية المتوافرة.
ما يقوم به الإرهابيون على مدار العالم يستنفذ كماً ضخماً من الإمكانيات العسكرية من كافة دول العالم بما في ذلك الدول الكبرى والعظمى، لكن قادة الإرهاب وممارسيه لا زالوا قادرين على استقطاب العديد من الشباب الناقمين على مجتمعاتهم والظروف المختلة التي يعيشون فيها وتجنيدهم والتغرير بهم ومن كافة مناطق العالم ودوله.
وهنا تكمن الخطورة الحقيقية بحيث اختلط الحابل بالنابل وصار من الصعب معرفة من هو الإرهابي.
وعليه فإن دحر الإرهاب لايمكن أن يتم إلا إذا عملت كل دولة على ذلك داخلياً أولاً، من خلال المجتمع المعني ذاته وثقافته، ثم بعد ذلك تأتي عملية تعاون جميع دول العالم فيما بينها، وهذه عملية طويلة الأمد تحتاج من جميع دول العالم القيام بها في تناسق وتعاون.
*كاتب إماراتي