ما هي الملفات الاستراتيجية التي ينبغي متابعتها في 2019 بشكل خاص؟ هناك بالطبع الملفات التي يمكننا توقعها حسب استراتيجيات اللاعبين وموازين القوة الموجودة، غير أنه لا ينبغي أبداً استبعاد المفاجآت الاستراتيجية، ونقصد بذلك تلك الأحداث الاستثنائية التي تحدث بشكل مباغت وتفاجئ المراقبين. وعلى سبيل المثال، فإن أشخاصاً قلائل توقعوا انهيار الاتحاد السوفييتي، أو ضم الكويت من قبل صدام حسين، أو ما يسمى «الربيع العربي» لسنة 2011، أو انتخاب ترامب في 2016.
بيد أن ثمة أحداثاً تعلن عن نفسها من بعيد. وفي هذا الإطار، بوسعنا الاعتقاد بأن رهان القوة بين بكين وواشنطن سيكون أحد المواضيع الرئيسية في 2019. ولكن، هل ستكون ثمة حرب تجارية حقيقية بين الولايات المتحدة والصين، مع ما ينطوي عليه ذلك من خطر جر العالم إلى أزمة اقتصادية عالمية؟ أم بالعكس هل سينتصر صوت العقل مع تقديم الطرفين لتنازلات متبادلة وحلٍّ يسمح لكليهما بالخروج مرفوعتي الرأس من مواجهة سيكون فيها الجميع خاسراً؟
الواقع أننا نستطيع من الآن رؤية عواقب زيادة الرسوم الجمركية المفروضة على المنتجات الصينية في الولايات المتحدة والتي تزعج جزءاً من المنتجين الذين يرون تكاليف إنتاجهم ترتفع وتصبح أقل تنافسية. غير أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حاجة لأن يُظهر أن تدخّله كان ناجحاً وأنه حصل على شيء ما من بكين، من أجل إرضاء قاعدته الانتخابية قبل انتخابات 2020. والحال أن الرئيس شي جينبينج، من جهته، يريد أن يُثبت للعالم ولشعبه في الوقت نفسه أن العهد الذي كانت ترى فيه الصين بلداً أجنبياً يفرض عليها واجبات قد ولى. وبالتالي، فما هي نقطة التوازن الممكنة التي تسمح للجميع بحفظ ماء الوجه؟
وفضلاً عن ذلك، ينبغي أيضاً متابعة مستقبل العلاقة بين الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون ودونالد ترامب. فهذا الأخير يريد تصديق إمكانية حقيقية لجعل شبه الجزيرة الكورية منطقة خالية من السلاح النووي، وهي إمكانية تبدو افتراضية جداً. ولكن كيم جونج أون لا يتخلى عن السلاح النووي الذي يُعد بمثابة «بوليصة تأمين حياة» بالنسبة له، ويريد، أولاً وقبل كل شيء، رفعاً للعقوبات الأميركية من أجل السماح لاقتصاد بلده بأن يتطور. ولكن هل يمكن أن يمنحه ترامب ذلك من دون أي تقدم نحو التخلي عن الأسلحة النووية؟
إيران في موقف صعب، ذلك أن العقوبات الأميركية، والأهم من ذلك التهديدات بعقوبات ضد البلدان التي تواصل الاتجار معها، ستتسبب في أزمة اقتصادية. ولكن ألم تؤدِّ تلك العقوبات إلى زعزعة استقرار الاقتصاد الإيراني بشكل كاف يدفع الإيرانيين إلى الانتفاض ويفضي إلى تغيير النظام، كما يرغب في ذلك الرئيس الأميركي؟ ثم هل سيدفع ذلك إيران إلى تغيير سياستها الخارجية؟ الواقع أننا يمكن أن نتوجه، بالأحرى، نحو تشدد النظام الذي يمكن أن يبدي شراسة أكبر على المستوى الدولي من أجل إسكات الانتقادات في الداخل.
في التاسع والعشرين من مايو المقبل ستجرى انتخابات البرلمان الأوروبي. والاحتمال الأرجح هو أن نشهد صعوداً عاماً لليمين المتطرف وللأحزاب السياسية المنتقدة للمشروع الأوروبي. هذا الأخير بات محل تشكيك منذ بعض الوقت من قبل بعض الحكومات، وخاصة في إيطاليا والمجر وجمهورية التشيك وبولونيا. فهل سيستطيع الاتحاد الأوروبي تجاوز هذا المنعطف بسلام؟ وكيف سيتعاطى مع صدمة خروج بريطانيا من الاتحاد؟ على كل حال، من المرجح على نحو متزايد أن المملكة المتحدة ستدفع ثمناً باهظاً بسبب رغبتها في الخروج من الاتحاد الأوروبي، الذي تسبب منذ بعض الوقت في سقوط الجنيه الإسترليني، وفقدان عدد من الوظائف، وتقليص قدرتها على التفاوض التجاري. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل سيكون النموذج السلبي الذي باتت تمثّله الملكة المتحدة كافياً لثني أي بلد آخر عن مغادرة الاتحاد؟
وفي روسيا، هل بوتين مقبل على مواجهة موجة احتجاجات جديدة، ليس بسبب سياسته الخارجية الصارمة، بل المعادية للغربيين والتي ما زالت تحظى إلى حد كبير بتأييد مواطنيه، وإنما بسبب إصلاح نظام التقاعد والمسائل الاجتماعية؟ الواقع أن بوتين ما زال يتمتع بشعبية يرغب معظم الزعماء الغربيين في الاستفادة منها. فهل سنشهد زيادة للعقوبات الأوروبية والغربية؟ الحقيقة أنه من غير المحتمل، على كل حال، أن تتحسن العلاقات بين موسكو وواشنطن بسبب المعارضة الشديدة للبنتاجون والكونجرس تجاه الكريملين، والتي منعت ترامب من تحقيق التقارب الذي كان يريده. غير أن هناك شيئاً أكيداً بين كل هذه الفرضيات، ألا وهو حقيقة أن أي بلد لن يكون في مأمن من الأحداث التي تزعزع الكوكب، والفضل في ذلك يعود إلى العولمة!