حتى قبل أن ينتهي وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو من خطابه في الجامعة الأميركية بالقاهرة، يوم الخميس الماضي، تعددت الآراء بين مؤيد ومعارض. فمثلاً شعر رئيس الجامعة، وهو سفير أميركي سابق، بالفخر لاختيار المؤسسة كمنصة عالمية. بينما اعترض بعض الأساتذة والطلاب الذين لا يودون أن يرتبط اسم جامعتهم بشخصية ترامب والصراعات المتزايدة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري وداخل الإدارة الأميركية ذاتها.
سيستمر هذا النقاش أميركياً، في المنطقة العربية، وكذلك في الجامعة الأميركية بالقاهرة بين زملائي وطلابي، لكن بدلاً من تكرار الحجج المختلفة التي نعرفها جميعاً، أود أن أنظر إلى حدث خطاب بومبيو من زاوية جديدة أو غير معتادة: ماذا يستفيد طلابي مقارنةً بجيل كبار السن من الاتصال المباشرة بأجهزة اتخاذ القرار في الدولة الأعظم في عالم اليوم؟ أليس هذا الجيل الجديد أكثر حظاً ومعرفة؟
لنتذكر أن هذه ليست المرة الأولى الذي يختار فيه مسؤول أميركي كبير موقعاً أكاديمياً لعرض سياسة بلاده من القاهرة، والمثال المعروف جيداً هو اختيار الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة في يونيو سنة 2009، وبرعاية جامعة الأزهر أيضاً، للحديث عن «أميركا والعالم الإسلامي». زيارة أوباما للقاهرة جاءت بعد ستة أشهر فقط من وصوله للبيت الأبيض.
أما خطاب السياسة الأميركية الآخر المهم من القاهرة، والذي لا يتذكره الكثيرون، فقد كان في يونيو سنة 2005، وعلى لسان وزيرة الخارجية آنذاك كوندليسا رايس. ولنتذكر أيضاً أن رايس كانت قبل توليها المسؤولية السياسة أستاذة للعلاقات الدولية في جامعة استانفورد الشهيرة في كاليفورنيا، وبالتالي فإن اختيار الحديث من موقع أكاديمي كالجامعة الأميركية بالقاهرة يروق لها، بل كما شعرنا نحن آنذاك فقد عاد بها إلى ماض قريب محبب إليها، خاصة بعد عامين فقط من الغزو الأميركي للعراق.
وبالطبع فإن بومبيو حالة مختلفة جداً، فهو ليس أكاديمياً بالمرة، ولكنه أيضاً جديد على الدبلوماسية، حيث إن آخر مناصبه قبل الخارجية كان رئاسة وكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA)، لكنه شعر بأن كلمته من المنصة الأكاديمية قد يضفي عليها نوعاً من المصداقية العلمية المنشودة.
وتتعدد الآراء فيما يتعلق بمدى نجاح الرجل على هذا المستوى، وقد يكون الرجل فعلاً صادقاً فيما عبَّر عنه، لكنه هو نفسه لا يضمن ألا يقوم رئيسه «بخبطة» تغير الاستراتيجية التي تود السياسة الأميركية وجهازها الرئيسي في وزارة الخارجية التعبير عنها والمحافظة عليها. وما التناقضات التي تخرج من واشنطن نفسها فيما يتعلق بالانسحاب من سوريا، إلا انعكاس لبعض التخوف من عدم الاتساق في هذه السياسة الأميركية. وستكشف الأسابيع القادمة عما إذا كانت هذه الخشية مبررة أم لا.
وفيما يتعلق بالحاضر والنقاش الذي بدأت به هذه المقالة عن الفرق في الحظوظ بين الأجيال، فمن المؤكد أن جيل كبار السن لم يستفد من مثل هذا اللقاء المباشر مع مخططي السياسة العالمية. مثلاً وحتى قبل اللقاء مع بومبيو، كان من حسن حظ طلبتي في كورس العلاقات الدولية أن أستضيف ويليام كوانت مستشار الرئيس الأسبق جيمي كارتر، ليقارن بين اتخاذ القرار في السياسة الخارجية خلال عهد كارتر قبل 40 عاماً وأسلوب صنع القرار مع الرئيس الحالي ترامب، وبالتالي المقارنة بين فترة اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 والفترة الحالية.
فلنستمر في تسليح جيل جديد، مزوِّدين إياه بالعتاد والعدة في عالم المعرفة.