خلال الأسابيع الماضية من عمر الاحتجاجات في السودان، حاولت جاهداً متابعة ما يحدث هناك في سياقه العربي من جهة، وفي موقعه الجغرافي من جهة ثانية، من منطلق أن السودانيين فريقان غير مختصمين على المستوى الوجودي، وإن كانا غير ذلك على المستوى الثقافي بخصوص الانتماء والهوية، وجلست إلى عدد من السودانيين شباباً وكهولة وشيباً في محاولة لفهم ما يحدث هناك، ولاحظت شبه إجماع من كل الذين تحدثت إليهم أو استمعت إليهم أو حتى قرأت لهم، حول مسألة في غاية الأهمية، وهي: أن الكُتَّاب والإعلاميين والمثقفين العرب ينقصهم العلم والدراية بأوضاع السودان من الداخل، وقد يكون هذا صحيحاً في معناه الظاهر، لكنه في الباطن ينتهي بنا إلى أمرين: الأول: محاولة عزل السودان عن الاهتمام العربي، وهنا تحل وسائل الإعلام العالمية غير العربية طبعاً باعتبارها متابعاً صادقاً وديمقراطياً، الأمر الثاني: النسيان السريع لما جرى في دولنا منذ نهاية 2010م، حيث شهدت انتفاضات واحتجاجات انتهت إلى فصول متقلبة دموية، وهذا يعني ضعف في الذاكرة الجماعية، والسودان شعباً وحكومة جزء منها.
ليس شرطاً، أو مسلماً به في المطلق، من أن الشعب السوداني سيكرر نفس الأخطاء أو يقع في المطبات ذاتها التي عرقلت مسيرة التغيير ومساره في كل الدول العربية الأخرى التي سبقته خلال السنوات العشر الماضية، ولا أحد يمكن أن يزايد عليه ولا على مطالبه، فهو أدرى بها، لكن عليه أن يدرك بالمقابل أن مواقفه وحركته في الداخل هي رهينة اشتراطات دولية تتجاور السلطة نفسها، وأن الأمل في مستقبل أفضل سواء أكان على مستوى الأماني، أو بوعود بدعم حقيقي من الأشقاء والأصدقاء، يظل انتظاراً مقبولاً للغيب، ربما سيستجيب له القدر، ومن يدرينا، ربّما يكون الأمر عكس ذلك، ما يعني أن هناك مخاوف مبررة من تبعات ما يحدث اليوم لدى السودانيين، ومع كل من يحب لهم الخير من إخوانهم في الدين واللغة والانتماء القومي.
المخاوف من الغد، هي التي عجَّلت بمواقف تحمل عتاباً ولوماً من بعض السودانيين، من القراءات العربية لما يحدث في بلادهم، لجهة القول: إن المراقبين العرب من كُتَّاب وإعلاميين لا يُولُون اهتماماً للخصوصية السودانية لجهة الفعل السياسي، اتِّكاءً على ميراث من ثورات التغيير التي لا تزال آثارها باقية إلى الآن، هذا أوَّلاً، وثانياً: أن معظم السودانيين يرون أنفسهم يقفون وحيدين في سعيهم إلى تغيير أوضاعهم نحو الأحسن، لذلك يتم تأويل أي موقف مساند لاستقرار السودان، مهما كانت موضوعيته ودقته، من أنه دعوة لإبقاء الأوضاع على ما هي عليه.
وحقيقة الأمر أن المواقف العربية من الأحداث الراهنة في السودان على مستوى التحليل على الأقل هي مزيج من التفاؤل والتشاؤم، الأمان المنتظر والخوف الدائم، دعم الاستقرار ونبذ الفوضى، وهذه الثنائيات مدخل لقلق حقيقي من الغد السوداني، وعن اللقاء معه في مساره التاريخ وحركته.. ومن أدرانا، ربما يكون بهجة وسروراً، ولكنه يحق عليه وفيه سؤال الشاعر السوداني الهادي آدم، رحمه الله:«أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غد».. ومعه نقول: يا خوف أفئدتنا جميعاً من يوم السودان وغده، ومعه الأوطان العربية كلها.