هذا عام فريد في تاريخ الفضاء، أعقب أحداث فضائية عالمية تاريخية، ويهيئ لحدث فضائي عربي تاريخي. فالعام المنصرم شهد أول هبوط على الجانب المعتم للقمر حققه المسبار الصيني «تشانغ إي 4» الذي حمل معه أدوات تحليل جيولوجية وبيولوجية للمنطقة المجهولة من القمر، وبلغت بذلك الصينُ المرتبةَ الثالثة في قائمة الدول الفضائية الكبرى، بعد الولايات المتحدة وروسيا. والحدث الثاني إرسال مسبار وكالة الفضاء الأميركية «نيوهورايزنز» إشارات من أبعد نقطة في المنظومة الشمسية على مسافة 6.5 مليار كيلومتر من الأرض. وعلى امتداد العام الحالي ستضيء الأرض من المغرب حتى الفجر زخات نيازك قادمة من مدار حول الشمس، حسب «منظمة النيازك الدولية».
وفي مستهل العام الجديد، التقطت تلسكوبات فضائية في كندا إشارات راديوية تأتي من الفضاء العميق، لا تُعرفُ طبيعتها، وبينها رشقات ضوئية غريبة جداً، تكرر إشارات قادمة من مصدر واحد، يبعد مسافة نحو مليار ونصف المليار سنة ضوئية.
وتواصل مركبة «مسح الكواكب الفضائية العابرة» TESS، والتي أطلقتها قبل ثلاث سنوات «وكالةُ الفضاء الأميركية»، اكتشاف كواكب خارج المنظومة الشمسية بلغ عددها حتى الآن 203 كواكب، وأكدت التلسكوبات الأرضية أن ثلاثة منها قد تكون كواكب حقيقية، أي أنها قد تكون مأهولة.
وأحدث القادمين إلى الفضاء أجرؤهم، «وكالة الفضاء الإماراتية» التي تأسست عام 2014، والتي ستطلق في العام المقبل «مسبار الأمل» إلى كوكب المريخ. و«المهمة أُنجزت»، كان عنوان مقالة «منى القامزي» مديرة تحرير مجلة «مجرات» Majarat التي يصدرها بالإنجليزية «مركز محمد بن راشد للفضاء»، حيث يتم تصنيع المسبار وإدارة إطلاقه. وتورد المجلة تقريراً عن فريق إماراتي من 150 مهندس وعالم يعملون في بناء «مسبار الأمل»، أعمار ثلاثة أرباعهم أقل من الثلاثين، بينهم إماراتيات يتولين مهام قيادية، مثل «سارة الأميري»، و«خلود الهرمودي»، و«نور الطنيجي».
وسيهيئ إطلاق «مسبار الأمل» لانعقاد «المؤتمر السنوي الفضائي العالمي» في دبي، والذي يحضره خمسة آلاف عالم فضاء من مختلف دول العالم، سيتعرفون على «مدينة المريخ العلمية» في دولة الإمارات، وهي واحدة من تسع دول في العالم تعمل في مشاريع استكشاف المريخ. و«لماذا تفكر الإمارات في زراعة الخس والتمر في المريخ؟»، عنوان تقرير «بي بي سي» عن «مسبار الأمل» الذي سينطلق من اليابان، بالتعاون مع شركة «ميتسوبيشي» للصناعات الثقيلة. وذكر التقرير أن اختيار نخيل التمر للبحث كان بسبب رمزيته في المنطقة، واختيار الخس لتأكيد العلماء قدرته على النمو فوق سطح المريخ. ورغم أن كثيراً من هذه الأهداف قد تبدو «خيالية»، فثمة سبب اقتصادي جوهري لاختيارها من قبل الإمارات، التي تُعزّز اقتصادها استعداداً لعصر ما بعد النفط، وتستثمر بقوة في مجالي السياحة والطيران، وكل ما يتعلق بهما من خدمات، فيما تخطو بثقة نحو قطاعي العلوم والتكنولوجيا الفائقة.
و«المريخ على المدى القريب والمريخ على المدى البعيد»، هكذا تستهل الكاتبة الأميركية «كيت غرين» مقالها عن البرنامج الفضائي لدولة الإمارات، والذي ذكرت فيه أن الدولة وظّفت أكثر من خمسة مليارات دولار من القطاعين العام والخاص لإرسال مركبة مأهولة إلى المريخ عام 2071 بمناسبة مئوية تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة.
ويحمل «مسبار الأمل» ثلاث رسائل؛ «أولاً تبليغ العالم بعودة الحضارة العربية، التي لعبت دوراً مهماً في المعرفة البشرية، وثانياً تقول للإخوة العرب لا شيء مستحيلاً، ويمكننا المنافسة مع أعظم الأمم في سباق المعرفة، وثالثاً إلى الذين يسعون لاعتلاء أعلى القمم: لا تضعوا حدوداً لمطامحكم، وستبلغونها حتى في الفضاء».