لقد خمّنا ذلك من قبل، لكن الآن نعرف: لا توجد خطة بديلة لدى الحكومة البريطانية. فبعد أشهر من المفاوضات وساعات طويلة من المناقشات، وبعد فترات تأجيل طويلة وإشاعات حول مزيد من التأجيل، وبعد أن قرع المتظاهرون الأجراس ولوّحوا بالأعلام الأوروبية خارج قصر ويستمنستر بعد ظهر أمس الأول، صوّت مجلس «العموم» البريطاني أخيراً على «اتفاق الانسحاب» الذي تفاوضت عليه رئيسة الوزراء «تيريزا ماي» مع الاتحاد الأوروبي.
وكما كان متوقعاً، تم رفض الاتفاق، وليس ذلك فحسب، بل جاء الرفض بـ230 صوتاً، وهي أكبر هزيمة برلمانية لأي حكومة بريطانية في الذاكرة الحية.
وكما كان متوقعاً، طالب زعيم حزب العمال البريطاني «جيرمي كوربين» بإجراء تصويت على سحب الثقة من الحكومة. وسيُناقش البرلمان هذه المسألة اليوم. لكن المرجح أن حزب «المحافظين» سينتصر.
فماذا إذن بعد كل ذلك؟ من النواب الذين صوتوا برفض الاتفاق أشخاص يرغبون في أن تبقى بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وآخرون يريدون أن تخرج بريطانيا من الترتيبات الاقتصادية والتجارية من دون أي اتفاق على الإطلاق، وذلك التصويت يجعل كلا الخيارين ممكناً، لاسيما أن «ماي» لم تقدم خياراً ثالثاً.
وبدلاً من ذلك، قالت إن الشعب يريد «الوضوح»، وأكدت أنها ستعقد اجتماعات مع زملائها لتحديد المطلوب للحصول على مساندة مجلس العموم. وذكرت أن «الحكومة ستجري هذه الاجتماعات بروح بنّاءة»، وهو تعليق أثار بعض ضحكات الحسرة.
ومن المفترض أن «ماي» ستعود إلى أوروبا، وتفعل بعض الأمور المفاجئة، ثم تطلب من زملائها التصويت مجدداً. وهي تزعم أن استراتيجيتها ليست «السير في عكس اتجاه عقارب الساعة». غير أن المقلق بدرجة أكبر هو حقيقة أنه لا يبدو بأن لديها أي استراتيجية على الإطلاق.
وسيقوم آخرون الآن بسدّ هذا الفراغ. فمجلس العموم نفسه سيقدم بعض المقترحات، وهناك بالفعل بعض المقترحات التي بدأت تطفو على السطح. وحملة «تصويت الشعب» تطالب بحل الأزمة عبر إجراء استفتاء جديد. وأخبرني أحد قادة الحملة مؤخراً أنهم يأملون الآن أن يكون هذا «خيار الملاذ الأخير» قائلاً: «بعد التصويت برفض جميع الخيارات الأخرى، قد لا يكون هناك خيار آخر سوى استفتاء جديد». وتواصل «ماي» الدفع في اتجاه عكس إجراء استفتاء ثانٍ لسبب بسيط هو أن «استطلاعات الرأي تُظهر زيادة أعداد الناس الذين يعارضون بريكسيت». والحقيقة أنه عندما عُرض على البريطانيين الاختيارُ بين البقاء في الاتحاد الأوروبي وأحد الخيارين الآخرين الممكنين: الخروج وفقاً لاتفاق «ماي»، أو الخروج من دون اتفاق.. أيدت أغلبيةٌ كبيرةٌ البقاءَ. لكن لأن هذه النتيجة ستحدث انقساماً داخل حزب «المحافظين»، ولأن الحزب هو «كل شيء» بالنسبة لـ«ماي»، فإنها ترغب في تفادي ذلك بأي ثمن، ولذا وصلنا إلى هذه المرحلة.
وحتماً، ستتضح خلال الأيام المقبلة تفاصيلُ المفاوضات والإجراءات البرلمانية، لكن قبل حدوث ذلك، دعونا نؤكد أن «بريكسيت» كان إخفاقاً سياسياً كارثياً. وهذه الفوضى والاتفاق المرفوض شعبياً وأكثر السياسيات الحكومية المكروهة التي يمكن لأي شخص أن يتذكرها.. كل ذلك كان نتاج طبقة سياسية اتضح أنها «جاهلة» بشأن أوروبا والأوروبيين وبالاتفاقات التجارية والمؤسسات، ومتغطرسة وتزدري المعرفة والخبرة. وقد كانت نتاج قادة يحبذون سياسة الهوية على حساب الاقتصاد، ويؤيدون مبدأ «السيادة» الفضفاض على حساب المؤسسات الحقيقية التي تمنح بريطانيا التأثير والقوة، ويؤمنون بالأوهام، ويزدرون الواقع.
والوقت الذي كان يمكن تكريسه لأمور أخرى مثل مناقشة مسائل الدفاع أو الفقر أو تنظيف الشواطئ، تم إهداره على سياسة لن تجعل بريطانيا أسعد أو أثرى أو أقوى. بل إن ذلك الجدل الطويل تمخض عن حالة ارتباك وطريق سياسي مسدود. وبعد تصويت يوم الثلاثاء الماضي، لن يكون القادم أفضل!
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»