ظلت الهند لفترة طويلة مجتمعاً يعتمد على نظام الطبقات. وهيمنت دوماً الطبقات الأعلى على أفراد الطبقات الأدنى وعاملتهم كما لو أنهم من المنبوذين. وبعد فترة قصيرة من استقلال البلاد، حاول الزعماء القوميون للهند جاهدين كي يكفلوا في دستور الهند درجة من حماية لحقوق الإنسان تستفيد منها الطبقات الأدنى. ولذا قرروا حصصاً من الوظائف للمسحوقين في المؤسسات التعليمية والحكومية في محاولة لحمايتهم.
وتقليدياً، ظل رصيد حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم يكمن في أصوات الطبقات العليا. لكن الانتخابات العامة الأخيرة، كانت استثناء بسبب «موجة (ناريندرا) مودي». ومن بين أسباب هذه الموجة ليس فقط الشعور المناهض لمن هم في السلطة قبل «مودي»، بل سأم الناس من سماع أخبار عن مزاعم الاتهام بالفساد ضد الحزب الحاكم السابق. ومن دون الاعتماد على نظام الطبقات، صوت الناس لحزب بهاراتيا جاناتا بأعداد كبيرة، ما أدى إلى فوز الحزب ووصول «ناريندرا مودي» إلى السلطة. والآن، بعد أن أصبح من المقرر إجراء انتخابات عامة في الأشهر القليلة المقبلة، يستعد حزب «بهاراتيا جاناتا» إلى الاستمرار في السلطة لفترة ولاية تالية، مدتها خمس سنوات. لكن الطريق إلى النصر، هذه المرة، ليس سهلاً للحزب الحاكم لأن حكومة «مودي» تواجه مزاعم الاتهام بسوء الإدارة.
ولذا، وكي يعود الحزب مرة أخرى إلى الاعتماد على أصوات الطبقات العليا، قدم «بهاراتيا جاناتا مشروع قانون لتقرير حصة للطبقات العليا، مما اعتبر انقلاباً سياسياً من رئيس الوزراء مودي». ووافق البرلمان الهندي في الأيام القليلة الماضية على مشروع قانون يخصص 10% من وظائف الحكومة والمقاعد في المعاهد التعليمية الحكومية للأشخاص الذين ينتمون للطبقات العليا. وهذه أول مرة في تاريخ البلاد منذ استقلال الهند تُمنح فيها الطبقات العليا حصة معينة. والتعديل للدستور ينص على أن الذين لهم حق التمتع بنسبة الـ10% تلك من بينهم أشخاص دخلهم السنوي أقل من 800 ألف روبية.
وهذه خطوة سياسية من دون شك برغم أن الحزب الحاكم ينفي انتقادات المعارضة بأنها حيلة انتخابية. ويتوقع أن تؤدي الخطوة إلى مكاسب سياسية لحزب بهاراتيا جاناتا الذي تعرض لكبوة في الآونة الأخيرة حين خسر ثلاثة انتخابات في الجمعية التشريعية في ولايات كانت من معاقله. ولذا، فهذه الخطوة تستهدف بشكل واضح منع أي عزوف من ناخبي الطبقات العليا عن التصويت لحزب بهاراتيا جاناتا الذي يصوتون له تقليدياً. ومن الواضح أن إقرار مشروع قانون التحصيص هذا باغت أحزاب المعارضة. وهناك أسئلة يتعين طرحها بشأن التشريع الجديد الذي يعني في واقع الحال أن الجميع تقريباً في البلاد من حقهم التمتع بتخصيص الحصص لهم، مما يسحق فكرة التمييز الإيجابي لصالح المسحوقين.
ومنح الحصص في الهند تم العمل به أصلاً لمعالجة عدم المساواة الاجتماعية بسبب انتشار التمييز الاجتماعي بناء على نظام الطبقات الذي لقيت فيه الطبقات الأدنى معاملة سيئة. ونظام الحصص تم العمل به باعتباره أداة اجتماعية لتحسين حياة الذين كانوا في قاع سلم الطبقات ولإنهاء عدم المساواة الاجتماعية.
والمشكلة الحقيقية في الهند تتمثل في تقلص الوظائف الحكومية. وكانت عملية حماية حقوق الطبقات الأدنى تتم في معظمها عبر كفالة حصة لهم في الوظائف الحكومية. وكثيرون من المنتمين للطبقات الأدنى ممن يواجهون الاحتقار الاجتماعي صعدوا في مجالات مختلفة من خلال برامج الحصص في التعليم العالي والوظائف الحكومية. وهناك حتى الآن ما يصل إلى 49.5% من المقاعد مخصصة لهؤلاء في وظائف الحكومة والمعاهد التعليمية. صحيح أن هناك بعض الاستياء في الطبقات العليا في السنوات القليلة الماضية بسبب نظام الحصص للطبقات الأدنى، لكن يشيع تصور وخاصة في المناطق الريفية وشبه الريفية، مفاده بأن شعل منصب حكومي يحقق مكانة اجتماعية جيدة.
وحصة الـ 10% المخصصة للطبقات الأعلى تأتي في وقت تتقلص فيه الوظائف الحكومية. ففي عام 2016، أقرت الحكومة في الغرفة الأعلى من البرلمان أن عدد الوظائف الحكومية انخفض في مقابل تصاعد الوظائف في القطاع الخاص. والتعيينات الإجمالية التي تمت عن طريق التوظيف المباشر من الحكومة الاتحادية انخفضت من 151841 عام 2013 إلى 15877 عام 2015. والوضع العام للوظائف غير مبشر بخير. ونظام الحصص لا يعالج مشكلة البطالة الأساسية المتفاقمة في البلاد. فهناك نحو 11 مليون هندي فقدوا وظائفهم عام 2018، وفقاً لتقرير مركز مراقبة الاقتصاد الهندي. وأظهر تحليل التقرير أن الأفراد الذين ينتمون إلى الجماعات الضعيفة اقتصادياً واجتماعياً هم الأكثر تضرراً من فقدان الوظائف في عام 2018. وتشير البيانات إلى أن البطالة تتفاقم باستمرار. وتم توظيف نحو 397 مليوناً في ديسمبر 2018 أي أقل بواقع 10.9 مليون وظيفة عن العدد الذي بلغ 407.9 مليون وظيفة قبل عام في ديسمبر عام 2017.
ولا شك تقريباً في أن إجراء منح الطبقات العليا حصصاً في الوظائف سيكون له تأثير سياسي ويدعم الحزب الحاكم، خاصة في الولايات الشمالية التي تعرف باسم منطقة «حزام البقر». لكن يتوقع أن يكون للإجراء- إذا نظرنا إليه باعتبارها أداة لتخفيف حدة الضرر السياسي- تأثير محدود على الوظائف التي يجري توفيرها في القطاع الخاص وليس في قطاع الحكومة.