اتفق عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني في زيارته الأخيرة (الاثنين الماضي) إلى بغداد مع الرئيس العراقي برهم صالح على تعاون «استراتيجي» يرتكز على استثمار مشاريع مشتركة تعكس عمق العلاقات التاريخية والأواصر التي تربط البلدين، وضرورة العمل من أجل الارتقاء بها وتطويرها، بما يخدم تطلعات الشعبين الشقيقين، مع التأكيد على أهمية أن تكون بغداد وعمان مرتكزاً أساسياً لتعزيز العلاقات بين الأشقاء العرب، وذلك انطلاقاً من أن «الاستقرار الإقليمي» هو ضمانة كبرى لنجاح ليس الاستثمار المشترك بين البلدين فقط، بل لنجاح المشاريع العربية المشتركة، بمختلف أنواعها وأهدافها، بما فيها التخطيط لتنفيذ سلسلة مشاريع كبرى باستثمار عربي بين القطاعين العام والخاص.
يأتي هذا التطور، في وقت يعاني فيه العراق أزمة مالية واقتصادية، مع تراكم العجز المالي في موازناته السنوبة، وهو يواجه صعوبات في توفير التمويل لكلفة إعادة الإعمار البالغة نحو 100 مليار دولار، على رغم أنه بلد نفطي، ينتج حاليا 4,6 مليون برميل ويصدر نحو 3,6 مليون برميل يومياً، مايضعه في المرتبة الثانية بعد السعودية في «أوبك». ولكنه يتطلع في خططه المسقبلية إلى مضاعفة الرقم ليصل إلى 8 ملايين برميل يومياً بين عامي 2020 2030. ولتحقيق هذا الهدف يسعى إلى تطوير استثمارات الشركات العاملة حالياً، وهي من جنسيات مختلفة (أميركية، بريطانية، إيطالية، ماليزية، روسية، وصينية)، وذلك بموجب عقود تمت في جولات التراخيص المتتالية، خصوصاً أنها ملزمة باستثمار أموالها لرفع القدرة الإنتاجية في الحقول المنتجة والمستكشفة.
وبما أن العراق بحاجة إلى أن يوازي عملية الإنتاج والتسويق، إذ لايمكن ان تكون هناك زيادة في الإنتاج مع قلة في منافذ التصدير الى الخارج، لاسيما وأن عمليتي نقل النفط الثابت والمتحرك، مهمتان في التسويق، وزيادتهما تعني زيادة في العائدات المالية، فإن العراق يعتزم مد شبكة خطوط أنابيب داخلية، لنقل المنتجات النفطية إلى كل أنحاء البلاد، وخارجية لتصدير النفط الخام الى الأسواق العالمية، لتكون هذه الشبكة بديلاً لعمليات النقل المكلفة والخطيرة التي تتم حالياً بالناقلات.
وتبرز في هذا المجال أهمية تنفيذ خط أنابيب يمتد على مسافة 1700 كيلومتر بين مدينة البصرة في العراق وميناء العقبة في الأردن، والتي وقع البلدان اتفاقيته في التاسع من أبريل 2013، على أن ينجز خلال ثلاث سنوات، ولكن لغاية الآن لم يباشر بتنفيذه، بسبب الأوضاع الأمنية، خصوصاً وأن الخط سيمر داخل محافظة الأنبار التي كانت محتلة من قبل تنظيم «داعش». وقد اتفق البلدان على تسريع خطوات التنفيذ التي ستكون على مرحلتين، الأولى من البصرة إلى «حديثة» في غرب العراق، والثانية من الحدود العراقية الى ميناء العقبة الأردني، وسينقل في الجزء الأول نحو 2,25 مليون برميل يومياً، ومنه يكمل الجزء الثاني بنقل مليون برميل، ويستفيد الأردن من 150 ألف برميل لتأمين حاجة مصفاته للانتاج المحلي، ويصدر 850 ألف برميل إلى الخارج، وسيشكل هذا المشروع الذي تصل تكلفته إلى نحو 18 مليار دولار، بوابة جديدة لتصدير النفط العراقي الى دول العالم.
إضافة الى خط النفط، يتضمن الاتفاق الأساسي، إنشاء خط آخر للغاز، لتشغيل محطات الضخ، وتزويد الأردن بكمية 100 مليون قدم مكعب، لتشغيل محطات توليد الكهرباء، لكن هناك احتمالا بأن يصرف العراق النظر عن هذا الخط لأسباب تتعلق بخفض التكاليف، وللإسراع بتنفيذ خط أنابيب النفط، ويجري البحث عن بديل لمحطات الضخ عوضاً عن الغاز، وبما يتناسب مع جدواه الاقتصادية. مع العلم أن مؤسسة الكهرباء الوطنية الأردنية (شركة مساهمة عامة) تعتمد حالياً على الغاز المستورد من إسرائيل لتأمين حاجتها.