تحت عنوان «برنامج المهام العامة الثالث عشر»، أصدرت مؤخراً منظمة الصحة العالمية خطتها الاستراتيجية الخمسية، والتي تبدأ من العام الحالي، ويتمركز محورها الأساسي حول استهداف ثلاثة مليارات (Triple Billion Target). المليار الأول هنا، هو الزيادة المؤملة في عدد من سيستفيدون من نظم رعاية صحية وطنية شاملة خلال سنوات الخطة الخمس، أما المليار الثاني فيشير إلى الزيادة المؤملة في عدد الأشخاص الذين ستسعى المنظمة لتوفير الحماية لهم ضد الكوارث والطوارئ الصحية، بينما يشير المليار الثالث إلى عدد من يؤمل أن تتمكن الجهود الوطنية والدولية من رفع وتحسين مستوى الصحة والعافية لهم، خلال فترة الخطة الخمسية.
وغني عن الذكر هنا أن تحقيق هذه الأهداف في غضون خمس سنوات فقط، سيتطلب مواجهة أهم التحديات الصحية الحالية. وربما كانت أهم عشر تحديات صحية عالمية حالياً هي:
1- التغير المناخي وتلوث الهواء، بناءً على التقديرات التي تشير إلى أن مجرد تطبيق الاتفاق الدولي لخفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري، والمعروفة باتفاقية باريس، يمكن له أن ينقذ حياة مليون شخص بحلول عام 2050، من خلال خفض تلوث الهواء فقط.
2- أوبئة الأمراض غير المعدية مثل السمنة والسكري وأمراض القلب والشرايين والأمراض السرطانية.
3- وباء عالمي أو جائحة دولية من فيروس الإنفلونزا.
4- هشاشة الوضع المحلي وضعف نظم الرعاية الصحية في العديد من مناطق العالم بسبب الحروب والنزاعات المسلحة، والكوارث الطبيعية، والجفاف والمجاعات، أو النزوح والهجرة الجماعية.
5- تفاقم قدرة البكتيريا والجراثيم على مقاومة المضادات الحيوية.
6- فيروس الإيبولا وغيره من الفيروسات الشرسة سريعة العدوى والانتشار، والتي لن تعترف بالحدود السياسة أو الجغرافية في ظل ظاهرة العولمة، وسهولة السفر والانتقال بين الدول والقارات.
7- ضعف وتدني مستوى الرعاية الصحية الأولية.
8- الشكوك المحيطة بالتطعيمات الطبية، ورفض بعض الآباء تطعيم أبنائهم.
9- فيروس حمى «الضنك»، والذي يؤدي إلى وفاة 20 في المئة من المصابين به، وقد شهدت العقود القليلة الأخيرة تزايداً في مدى ونطاق انتشاره.
10- فيروس الإيدز، والذي رغم تراجع خطره منذ ظهوره في عقد الثمانينيات، لا زال يقتل أكثر من مليون شخص سنوياً.
ومن الصعب تحديد أي من تلك التحديات، يشكل الخطر الأكبر، لكن من الممكن أن نخص هنا بالحديث بعضاً منها، دون أن يقلل ذلك من الأهمية التي تحملها التحديات الأخرى في طياتها. فعلى سبيل المثال، يشكل تردد وامتناع بعض الآباء عن تطعيم أبنائهم تهديداً خطيراً لكل ما تم تحقيقه خلال العقود الماضية على صعيد مكافحة الأمراض التي يمكن الوقاية منها من خلال التطعيمات الطبية. وخصوصاً إذا ما وضعنا في الاعتبار أن التطعيمات تشكل واحدة من أفضل السبل -إن لم يكن أفضلها على الإطلاق- في الوقاية من العديد من الأمراض المعدية، وبثمن زهيد وتكلفة منخفضة.
ويقدر حالياً أن التطعيمات تمنع وفاة من 2 إلى 3 ملايين طفل وبالغ سنوياً، وهو الرقم الذي يمكن أن يضاف إليه 1.5 مليون شخص آخرين، إذا ما نجح المجتمع الدولي في توسيع مدى ونطاق العديد من التطعيمات. وإذا ما خصصنا بالحديث هنا فيروس الحصبة، فسنجد أن عدد الحالات على مستوى العالم قد زاد بنسبة 30 في المئة، وفي بعض الدول التي كانت قاب قوسين أو أدنى من القضاء على المرض تماماً، عاد الفيروس للانتشار فيها بشكل ملحوظ، وإن كانت أسباب هذه الزيادة متشابكة ومعقدة، وليست فقط بسبب تردد الآباء أو امتناعهم عن تطعيم أبنائهم.
وتتنامى حالياً آمال كبيرة في تفعيلٍ أكبرَ وأوسعَ لدور التطعيمات في منظومة الرعاية الصحية الدولية، وتترافق هذه الآمال مع قصص نجاح أصبحت على مقربة من بلوغ اكتمالها. فعلى صعيد الآمال، نذكر هنا خطط منظمة الصحة العالمية في مكافحة سرطان عنق الرحم من خلال زيادة التغطية التطعيمية خلال عام 2019 ضد فيروس الثآليل الجنسية (HPV Vaccine)، والذي يعتبر من أهم أسباب الإصابة بهذا النوع من السرطان. أما على صعيد قصص النجاح التي أصبحت نهايتها وشيكة، فنذكر هنا فيروس شلل الأطفال، والذي بلغ عدد حالات الإصابة به العام الماضي 30 حالة فقط، بعد أن كان يتسبب في شلل 350 ألف طفل سنوياً قبل ثلاثة عقود فقط. ولذا يحتمل أن يكون عام 2019، هو عام القضاء التام والنهائي على هذا الفيروس اللعين، بعد أن تم حصاره حالياً في دولتين فقط، هما أفغانستان وباكستان.