ترامب جاء إلى السلطة واعداً بزعزعة القواعد القديمة على الساحة العالمية، إذ قال إنه عاقد العزم على إصلاح النظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن جهود البيت الأبيض في الخارج – مثل رفض اتفاق باريس للمناخ، وشن الحروب التجارية، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، والتقليل المستمر من شأن الحلفاء– أقلقت الأوساط السياسية في واشنطن بقدر ما أزعجت شركاء أميركا في الخارج.
والأكيد أن النقاشات حول أفول نجم الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة للعالم هو سابق زمنياً لترامب، ولكن عامين من رئاسته التي تميزت بالاضطراب زادت من قلق واشنطن بشأن مستقبل القوة الأميركية، وكيف ينبغي لأميركا أن تسعى لتزعم كوكب أكثر انقساماً – أو ما إن كان ينبغي لها أن تحاول ذلك أصلاً.
«إنها حقيقة تاريخية كون الدول والإمبراطوريات العظمى لديها بداية ونهاية»، يقول جيمس جونس، وهو جنرال أميركي متقاعد، ومستشار سابق للرئيس باراك أوباما في شؤون الأمن القومي، والرئيس المنتهية ولايته للمجلس الأطلسي، متحدثاً في واشنطن خلال منتدى استضافه المركز البحثي الذي يقوده.
ويضيف قائلاً: «هناك اعتقاد ساذج في بلدنا مفاده أن ثمة نوعاً من القدر، وأن صدارة الولايات للمتحدة وتفوقها مضمونان للأبد، ولا أعتقد أن هذا هو واقع الحال».
ولهذا الغرض، يخطط «المجلس الأطلسي»، وهو منظمة تسعى لدعم الزعامة الأميركية والحفاظ عليها، لدراسة مجموعة جديدة من المبادئ للحفاظ على «النظام القائم على القواعد» – وهي عبارة مهذبة كثيراً ما تُستخدم لشرح الوضع الراهن الذي وضعته الولايات المتحدة قبل أكثر من نصف قرن. إنه يريد «إعادة تنشيط» هذا النظام، و«الدفاع عنه»، ليس فقط من القوة المتزايدة للصين، ولكن أيضاً إزاء الأجندة القومية والحمائية الخاصة لترامب وأمثاله. في منتدى «المجلس الأطلسي»، خيّم شبح الصين على الأشغال بشكل واضح. فقد عبّر الأميرال «مايكل رودجرز»، وهو رئيس سابق لوكالة الأمن القومي، عن تخوفه من أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة بخصوص القدرات على شن حرب إلكترونية. ووصف السيناتورُ «الجمهوري» توم كوتون، وهو شخصية موالية لترامب إلى حد كبير، الصين على أنها «خصم فريد في العالم». وإذا كانت آراء «كوتون» المتشددة بخصوص إيران قد أكسبته عدة منتقدين، فإنه لا يوجد مشرّعون كثر على الجانب الآخر داخل المجلس ممن يختلفون معه تجاه بكين.
كون الولايات المتحدة مقبلة، على نحو لا مناص منه تقريباً، على مواجهة مع الصين ينبغي أن يكون مبعث قلق، تقول «إيما آشفورد»، و«تريفور ثرال» من معهد «كاتو»، فـ«التوافق المتزايد بشأن الصين يبعث على القلق. وبعد تحديد الصين باعتبارها التحدي الاستراتيجي الأكبر لأميركا، فإن أياً من الحزبين لم يحدد هدفاً واضحاً»، كما كتبت «آذفورد» و«ثرال». «ولا أوضح كيف من شأن مقاربة جديدة تجاه الصين أن توفّر أساساً لرؤية أوسع للسياسة الخارجية الأميركية... ولهذا، فإن خطر تحقيق النبوءة بخصوص الصين – من خلال مواجهة من دون هدف – هو حقيقي».
بعض المحللين يشبّهون اللحظة المحمومة الحالية بفترة مبكرة من المشهد السياسي العالمي إبان القرن التاسع عشر، عندما دخلت القوى الإمبريالية والصناعية الأوروبية في تحالفات رمت بالعالم في حرب في النهاية.
فـ«ما نراه اليوم يشبه منتصف القرن التاسع عشر إلى حد كبير: فنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية وما بعد الحرب الباردة لا يمكن إعادته. ولكن العالم ليس على شفا أزمة (نظام) بعد»، كما يكتب ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية. تلك الأزمة حلت قبل قرن. وهذه المرة، ما زالت المجموعة الحالية من السياسيين الأميركيين (بمن فيهم ترامب) تستطيع تجنب الكارثة.
ويضيف هاس قائلاً: «اليوم علينا أن نحرص على عدم حدوث الكارثة، أكانت جراء انهيار في العلاقات الأميركية- الصينية، أو اشتباك مع روسيا، أو تفجر للوضع في الشرق الأوسط، أو التأثيرات المتراكمة لتغير المناخ»، مضيفاً «الخبر السار هو أنه ليس قدراً مقدراً أن يصل العالم إلى كارثة في الأخير، والخبر المحزن هو أنه من غير المؤكد ألا يصل إليها».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»