تختلف زيارة قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية المرتقبة بعد أيام لدولة الإمارات العربية المتحدة، عن أي من زياراته الأخرى في العام الحالي، والذي بدأه بالتوجه إلى بنما، إذ تكتسب أهمية خاصة لسببين؛ أولهما كونها تأتي في بداية عام 2019 الذي أعلنته دولة الإمارات عاماً للتسامح، عبر مبادرة هي الأولى من نوعها في عالم تشتد حاجته لكثير من المبادرات في الاتجاه نفسه، بعد أن ازدادت معدلات الكراهية والبغض ورفض الآخر في أنحائه. أما السبب الثاني فيتعلق بمغزى الزيارة المشتركة لبابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب إلى دولة الإمارات، ودلالة ما يمكن تسميته قمة حوار الأديان في العاصمة التي صارت رمزاً للتسامح على كل صعيد.
وتعزيز الحوار الديني هو أحد سبل ترسيخ مبدأ التسامح الذي تتبناه دولة الإمارات، ليس عبر مبادرتها التي تعلي شأن هذا المبدأ وتجعله عنواناً للعام الجاري فقط، ولكن أيضاً من خلال سعيها المستمر لمواجهة التطرف، ولدعم ثقافة الاعتدال والوسطية في منطقة تُعد الأكثر احتقاناً على المستوى الدولي، وفي عالم تهدده صراعات ثقافية متزايدة ترتبط في الأغلب الأعم برفض الآخر.
كما أن تعزيز الحوار الديني يُعتبر أحد أهم متطلبات احترام التنوع الثقافي الذي تسعى دولة الإمارات إلى تأكيد أهميته في منطقة تعود شدة الاحتقان فيها إلى عوامل في مقدمتها عدم إدراك أن هذا التنوع يُثري أي مجتمع، ويفتح أمامه آفاقاً واسعة للتقدم بمقدار ما تُتاح فيه من فرص لإطلاق طاقات فئاته المتعددة والمتنوعة، والاستفادة منها كلها.
ولذلك تُعد زيارة البابا لدولة الإمارات خير استهلال لعام التسامح من زاويتين؛ الأولى إضفاء طابع عالمي على المبادرة التي أطلقتها قيادة الدولة، ونقل رسالتها إلى المجتمع العالمي الذي سيتابع هذه الزيارة، وسيشاهد القداس الذي سيرأسه بابا الفاتيكان في مدينة زايد الرياضية بأبوظبي، والذي قد يصبح الأكبر منذ قداس تنصيبه على الكنيسة الكاثوليكية في ساحة القديس بطرس في 19 مارس 2013 (بعد ستة أيام على انتخابه)، من حيث عدد المدعوين إليه، والمشاركين فيه، فضلاً عن تنوعهم وتعدد أديانهم وعقائدهم، وانتماءاتهم، وخلفياتهم.. في تجسيد واقعي حي وغير مسبوق لمعنى التسامح وروعته. أما الزاوية الثانية فهي توجهات البابا فرنسيس التي يتبناها ويعبر عنها كل يوم، وليست رمزيته التي تعود إلى موقعه على رأس الكنيسة الكاثوليكية ومكانته لدى المسيحيين الكاثوليك في العالم فقط. فقد تبنى مبدأ التسامح منذ أن كان أسقفاً في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس، ثم رئيساً لأساقفتها، ومسؤولاً عن الكنائس الكاثوليكية في بلده، وقبل أن يصبح أول بابا من أميركا الجنوبية، والأول من خارج أوروبا منذ حوالي ثلاثة عشر قرناً (منذ عهد البابا جريجوري الثالث: 731 –741).
فقد عُرف البابا فرنسيس باهتمامه المستمر بتشجيع الحوار والتواصل، وتعزيز التنوع والتعدد، والحث على قبول الآخر واحترامه، ودعم المنظمات التي تعمل في مجالات الرعاية الاجتماعية والإنسانية بغض النظر عن انتماءاتها، وحرصه على أن تشمل هذه الرعاية الجميع، وليس الكاثوليك فقط.
وقد لفت تسامحه ودعمه مبدأ التسامح، أنظارَ العالم قبل انتخابه وتنصيبه رأساً للكنيسة الكاثوليكية، وخاصة عندما رفض ربط هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية بالإسلام. وكان أول من تحدث عن أن الإرهابيين ليس لهم دين، وأن التطرف موجود في الأديان والعقائد كلها، وليس في الإسلام فقط. وظل يؤكد هذا المعنى في كل مناسبة منذ أن أصبح القائد الروحي للكاثوليك في العالم، وأضاف إليه مواقف شجاعة دفاعاً عن المهاجرين الذين رُسمت صورة سلبية ومنفرة لهم، واللاجئين الذين أُغلقت الأبواب أمامهم في الغرب، ونقداً لاتجاهات الحركات الشعبوية والقومية المتطرفة التي تتبنى سياسات الأبواب المغلقة وإقامة الحواجز. وكان آخرها قبيل زيارته دولةَ الإمارات، وذلك في كلمته السنوية يوم 7 يناير الجاري أمام مبعوثين من 183 دولة.
لذلك كله، وغيره، يتطلع محبو السلام في أنحاء العالم إلى زيارة البابا فرنسيس إلى عاصمة التسامح، التسامح الذي يعد الركيزة الأساسية لهذا السلام.