«في مركز وجودك تجد الجواب، وفيه تعرف من أنت وتعرف ماذا تريد». قال ذلك «لاو تزو»، أقدم حكماء الصين، وفيه الجواب عن تحول «يأس الأمل»، عنوان مقالتي العام الماضي حول المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس»، إلى «أمل اليأس» عند ختامه الخميس الماضي. فتركيز الاهتمام داخل «المنتدى» وخارجه على «الشعبوية» و«النخبوية»، حال دون رؤية الصورة الجيوسياسية لزحف «طريق الحرير»، الذي يغير بنعومة كل شيء، بما في ذلك «دافوس» وقد مرّ على إنشائه 48 عاماً. واستبقت «دافوس» كالعادة أبحاث ونداءات، أبرزها رسالة أحد كبار المستثمرين الأميركيين، هو «سيث كلارمان» الذي ينبه إلى «الراية الحمراء الهائلة للتوترات الاجتماعية، وارتفاع مستويات الديون، وتقهقر الزعامة الأميركية»، ويُحذِّر من «تنامي الانقسام السياسي والاجتماعي حول العالم، والذي قد ينتهي بكارثة اقتصادية». ولا يمكن برأي «كلارمان» الذي يدير استثمارات تبلغ 27 مليار دولار، استمرار «الأعمال كالمعتاد وسط انتفاضات وإغلاقات، وتوترات اجتماعية متصاعدة»، ويستغرب كيف يتجاهل المستثمرون غالباً «تغريدات» الرئيس «ترامب»، ويقول: «مع استمرار تآكل النظام العالمي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، تنتظر قيادة العالم من ينتزعها»! ورأي ترامب في ذلك أعلنه وزير خارجيته «بومبيو» في حديث تلفزيوني من شرفة وزارته في واشنطن: «الناخبون في بلدان عدة انتخبوا سياسيين تقليديين، وأثاروا انتفاضات في بريطانيا وفرنسا والبرازيل»!
وتعدّدت الأسباب والغياب واحد في دورة «دافوس»، التي لم يحضرها زعماء الصين، والولايات المتحدة، وروسيا، وحتى فرنسا، وبريطانيا، وتركيا.. منعتهم عن الحضور أحداث خارجية أو محلية. و«العالم على مفترق الطرق يواجه آفاق أزمة عالمية دائمة في الإدارة قد تهدده بالفوضى». أعلن ذلك «كلاوس شواب» مؤسس ورئيس «دافوس». ويبدو بائساً بيان «دافوس» الختامي، وفيه «33 طريقة طرحها، منها 19 تركت آثارها على العالم، بينها القرارات حول المناخ العالمي، والمسائل المتعلقة بالسياسات الاقتصادية والعلاقات الدولية». وتعليق «الغارديان» البريطانية على ذلك: «هل تملك النخبة العالمية الإرادة لحل مشاكل العالم؟».
العرب والمسلمون، أُمة الحرير بحكم توسطها قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، كلٌ يدّعي وصلها، وهي مع الجميع وتحظى بالجميع. وكان من ممثلي الحضور العربي في «دافوس» سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، ومعالي سارة الأميري وزيرة العلوم المتقدمة، ورؤساء شركات سعودية كبرى، بينها «أرامكو» و«سابك» و«هيئة الاستثمارات العامة»، والمخرجة السينمائية السعودية «هيفاء المنصور» التي مُنحت وسام «دافوس» البلوري.
وتصدّر أخبارَ «دافوس» حجمُ الاستثمارات السعودية في روسيا، والتي بلغت مليارين ونصف المليار دولار من مجموع الاستثمارات السعودية المخصصة للسوق الروسية، وهي 10 مليارات دولار، أعلن ذلك «ديمترييف» مدير «صندوق الاستثمارات الروسية المباشرة»، وقال: «تحقق ذلك خلال ثلاث سنوات من زعامة بوتين، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان»، واعتبره مثالاً لما «يمكننا تحقيقه من أثر إيجابي خلال سنتين أو ثلاثة أُعيد خلالها بناء العلاقات بين بلدين في عالم مجزأ»، وأضاف أن دولة الإمارات العربية المتحدة حققت ثلاثة أرباع مبلغ ملياري دولار المخصص للاستثمار في روسيا.
والحضور الصيني في «دافوس» هذا العام متواضع، رغم وجود نائب رئيس جمهورية الصين الشعبية، «وانغ كيشان»، الذي لم يتحدث في جلسة «رؤيا الصين التريليون دولار» المخصصة لمبادرة «الحزام والطريق». وساد الحذرُ أحاديث مسؤولين صينيين مشاركين، حسب «نيويورك تايمز» التي نقلت كلام «تيان»، وهي مقدمة برامج مشهورة في الفضائية الصينية العالمية، وفيه قالت إن «بعض الناس في الصين يشعرون بالاستياء من انتقاد الأجانب مبادرةَ بناء الصين طرقاً في الخارج يحتاجها الصينيون»، ودعت إلى الحديث عن «حالات مدروسة وقصص حقيقية وليس مجرد إشاعات». وحكمة «لاو تزو» في قلب الإعلامية الصينية: «الحياة سلسلة تغيرات طبيعية وتلقائية، لاتقاومها، فهذا سيولد الأسى فحسب. دع الواقع يصبح واقعاً، ودع الأمور تسري بشكل طبيعي إلى الأمام أينما يحلو لها».