انتهى أطول إغلاق جزئي للحكومة الفيدرالية الأميركية، نهاية الأسبوع الماضي، عندما وقع دونالد ترامب تشريعاً مشتركاً للكونجرس سمح لأكثر من 800 ألف موظف فيدرالي بالعودة لوظائفهم، حتى 15 فبراير على الأقل، وبتلقي رواتبهم المستحقة عن الأسابيع التي لم يتلقوا فيها أي مال. غير أنه لم يتم رصد أي مخصصات مالية للجدار الحدودي الذي سعى ترامب للحصول على 5.7 مليار دولار من أجل بنائه. ولدى الكونجرس الآن مهلة ثلاثة أسابيع لتقديم تشريع يحظى بدعم الحزبين من أجل إصلاح نظام الهجرة، بما في ذلك مخصصات مالية لتحسين أمن الحدود. أما إذا لم يتم التوصل لأي اتفاق، فقد أشار ترامب إلى أنه إما سيقوم بإغلاق الحكومة مرة أخرى، وإما (وهذا هو الاحتمال الأرجح) سيعلن حالة طوارئ ويستخدم الأموال الموجودة من برامج حكومية أخرى لتمويل بناء الجدار الذي يريد.
عدد من أنصار ترامب البارزين كانوا مستائين جداً؛ لأنه رضخ لمطالب رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي، لكن الحقيقة هي أن أعضاء الكونجرس الجمهوريين مارسوا ضغوطاً كبيرة على الرئيس وزعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونل، من أجل إنهاء الإغلاق، نظراً لأن ناخبيهم تضرروا منه ولأن هذه السياسة كانت تفتقر للشعبية بين الجمهور العام.
هذا الفصل كان مهماً بالنسبة لترامب. فقد أُرغم على مواجهة حقيقة أن حزبه مني بخسارة مؤلمة في انتخابات 2018 النصفية، وأنه سيكون مضطراً خلال العامين المقبلين لتعلم كيفية العمل مع بيلوسي وكل الديمقراطيين الذين باتوا يشغلون الآن مواقع مهمة على رأس لجان التحقيق في مجلس النواب. أما إن كان لديه المزاج للقيام بذلك، فتلك مسألة ستخضع للاختبار خلال الأسابيع المقبلة.
إغلاق الحكومة مجدداً من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التدني في شعبية ترامب. فعلى نحو متزايد أخذت كلفة الإغلاق الحكومي الأخير ومخاطره تتضح للعيان. ذلك أن تأثيرات الإغلاق طالت حتى أجهزة مراقبة الحركة الجوية التي كان من المقرر أن تخضع للصيانة أو الاستبدال، مما تسبب في مزيد من الضغط على المطارات الأميركية التي تعاني من الازدحام الشديد أصلاً. كما أن آلاف القضايا القضائية في آلاف المحاكم لم تعالَج، مما خلق تراكماً كبيراً للقضايا التي تنتظر دورها. وفضلاً عن ذلك، فإن عمليات التفتيش الصحي ومراقبة المواد الغذائية لم تتم بسبب الإغلاق. وتشير التقديرات إلى أن كلفة الإغلاق قد تكون 10 مليارات دولار على الأقل. ثم إنه إذا كان الموظفون الحكوميون سيحصلون على رواتبهم المتأخرة، فإن آلاف المتعاقدين مع الحكومة والعاملين في قطاع الخدمات الذين يعتمدون على الموظفين الفدراليين كزبائن، خسروا أموالاً لن يستطيعوا تعويضها. وإلى ذلك، فإن المتنزهات الوطنية ستحتاج لأسابيع من أجل العودة للعمل. كما أن عدداً من الموظفين الحكوميين المدربين جيداً سيتقدمون بطلبات الحصول على التقاعد المبكر على الأرجح.
ونظرياً، يفترض أن يكون التوصل لحل للمشكلة الأساسية ممكناً على أساس توافق بين الحزبين. ذلك أن الحدود الأميركية المكسيكية تحتاج لمزيد من الأمن بالفعل، لكن ليس لجدار أكبر وأطول بالضرورة. والواقع أن نظام الهجرة الأميركي برمته بات بحاجة إلى إصلاح كبير، بما في ذلك كيفية توفير طريق لإمكانية الحصول على الجنسية بالنسبة للعشرة ملايين أو أكثر من العمال غير الشرعيين الذين يوجدون في الولايات المتحدة بطريقة غير قانونية. والحق أن التحديات التي تواجه الولايات المتحدة تشبه من عدة نواح المشاكل التي تواجه أوروبا؛ حيث يسعى عدد كبير جداً من المواطنين المنحدرين من الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا للوصول إلى حياة أفضل وحرية أكثر، هرباً من القمع والجريمة والعنف. غير أن الانقسامات الحادة في أوروبا، بسبب الهجرة، ما فتئت تزداد تعقيداً، لأنه لا يوجد حل أوروبي متفق عليه للتحديات الموجودة؛ ولدى كل بلد في النهاية سياساته وإجراءاته الخاصة به لمعاملة المهاجرين. وكانت الهجرة واحداً من الدوافع الرئيسية لحركة البريكسيت في بريطانيا، والتي تُعد أخطر أزمة داخلية تواجهها البلاد منذ الحرب العالمية الثانية.
والواقع أنه لو قدِّر لترامب النجاح في صياغة تشريع يحظى بدعم كلا الحزبين حول إصلاح الهجرة، فإن ذلك سيكون إنجازاً مهماً، لأنه لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان ترامب نفسه مستعداً للتنازل وإيجاد طريقة أكثر إنسانية لمعاملة أولئك المهاجرين الموجودين في الولايات المتحدة منذ بعض الوقت. غير أن الخطر الذي يواجهه هو أن قاعدة دعمه التقليدية مشكَّلة من أميركيين لا يؤيدون معاملة أكثر تساهلاً مع المهاجرين غير القانونيين، وسيكونون غاضبين للغاية إذا بدا أنه يتبنى خطاً أكثر نعومة في معاملتهم. فتبني موقف صارم بخصوص الهجرة كان عنصراً محورياً في حملته الرئاسية. والحال أنه إذا خسر ترامب دعم قاعدته، فإن فرصه في الفوز بإعادة الانتخاب في 2020 ستتقلص.