الإمارات في هذه المرحلة تلعب دوراً رئيساً في التقارب بين شعوب الأرض التي تعيش في دولة التسامح والسعادة والهناء، من منطلق أنها تطير بجناحي العروبة الأصيلة والإسلام الوسط والاعتدال، بنبذ التطرف والإرهاب، وتتبنى نهج السلام العالمي وتساهم في بناء الحضارة الإنسانية بكل استحقاقاتها. لقد تخلف العالم العربي والإسلامي كثيراً عن أداء الدور الحضاري في احتواء الدين المسيحي واليهودي، لتخليهم عن احتضان المتفقات مع الإسلام والتحاور حول المختلفات.
فالدول المسيحية اليوم قوانينها أقرب إلى روح الإسلام في العموم، فعلى أرضها تعيش ملايين من المسلمين المهاجرين والسكان الأصليين الذين دخلوا إلى حياض الإسلام بمحض إرادتهم، فهم مكتملو الحقوق مقارنة بما كانوا يعانون من الضيم في بلدانهم التي من جحيمها فروا إلى «جنة» الغرب في مجتمعاته.
فزيارة البابا إلى الدولة في أصعب ما يمر به العالم العربي والإسلامي من تحديات بالغة التعقيد، علامة فارقة ويعد الحدث الأبرز الذي يتوج عام التسامح في الدولة التي دعت البابا إليها لتعلن للعالم أجمع بأن الإمارات قادرة برؤية قيادتها الثاقبة على أن تحدث فارقاً في هذا العالم الذي كاد أن يذهب ضحية وفريسة سهلة للتطرف والإرهاب.
البابا رجل المحبة والسلام ألقى في العام المنصرم أقوى كلمة ضد حكام بورما بسبب المجازر الوحشية التي ارتكبت ضد أقلية «الروهينجا» المسلمة. هو الوحيد الذي مسح على جراح هؤلاء المظلومين من قبل نظام لم يرحم «سوكي» الرئيسة الحالية للبلد، وكانت قبل ذلك قابعة في سجون العسكر تنشد العالم الخارجي فك قيدها وإنصافها.
وهذا العالم المسيحي هو الذي سحب منها الدكتوراه الفخرية التي مُنحت من قِبل إحدى الجامعات الكندية، والآن العالم الحر يطالب بسحب جائزة نوبل للسلام منها بعد تخاذلها عن الدفاع عن جزء من شعبها الممثل في مسلمي «الروهينجا».
فالإمارات التي بلغت مساعداتها للعالم منذ 2013 إلى الآن 32 مليار دولار، هي الأولى مقارنةً بكل الدول التي تساهم في تخفيف المعاناة الإنسانية في أي مكان من بقاع العالم المترامي الأطراف. أليس دين البابا الذي ينص على من صفع لك خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر، ألا نرى تسامحاً وكسراً لمن لا يردعه الصفع المضاد بل الصفح الإيجابي. وقد أوصى دينه بأن لا نرمي الآخرين بالحجارة إذا كانت بيوتنا من زجاج، ومن لم يرتكب ذنبا فليرم الآخرين بالحجارة، ولذا جعل عيسى من حياته مخلص العالم من شروره.
وفي كل ذلك للإسلام من معارض، وعندما دخل أصحاب الحسن البصري ينقلون إليه سلوك من اغتابه لم يرد بإساءة مثله، فقد أعطى أحدهم صحناً مليئاً بالحلوى هدية منه له رداً على غيبته، فقال إنْ زدت زدناك من الحلوى وهي حسنات مجانية تقدمها لي. فالإمارات تريد أن تنمي مشتركات الأديان، وتقلص من فروقاتها المفرقة، فحاجة الإنسانية اليوم أحوج إلى كل جهد ولو كان فردياً، فإن العالم سيشعر بالفارق. هذا الاحتفاء بالبابا في الدولة جزء لا ينفصل عن سياسة الباني الأول لصرح الاتحاد.
لقد مَلَك زايد رحمه الله بصيرة ناطقة بالحكمة في معرفة حقيقة التسامح بين البشر جميعاً.
هذا ما أكد عليه المغفور له الشيخ زايد رحمه الله عندما قال: «التسامح واجب وإذا كان أعظم العظماء الخالق عز وجل يسامح، ونحن بشر خلقنا ما نسامح... ليش ما نساعد الغلطان، نجيبه إلى الصواب، ونسامح الغلطان إذا غلط حتى يفهم إنْ نحن ننجده وما نتركه ولا ننبذه، بل ننجده ونساعده حتى يجي على الطريق الصحيح».
هذا فكر زايد، وهذا فهمه للأمور، وهو أسلوبه الناجح في الترحيب بضيوف البلاد، وخاصة إذا كان ضيفاً بحجم بابا الكنيسة الكاثوليكية، ويحل على الإمارات بلاد الإسلام المنفتح على كافة الأديان.