أثار قرار الرئيس دونالد ترامب قيادة التغيير ضد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو ارتياباً مفهوماً بين معارضيه. ولطالما ندد النقاد بالطبيعة الانفعالية والأيديولوجية لسياسة البيت الأبيض، كما يفكر الكثيرون في تاريخ واشنطن الطويل والمتقلب من التدخل في شؤون أميركا اللاتينية. وعندما ظهر مستشار الأمن القومي «جون بولتون» ليشير إلى التوغل العسكري الأميركي يوم الاثنين، لم يؤدِّ ذلك سوى إلى تعميق مخاوفهم.
عندما اعترفت إدارة ترامب بزعيم المعارضة خوان جوايدو رئيساً لفنزويلا، تردد بعض السياسيين الأميركيين في الوقوف إلى جانبه. وأطلق السيناتور «بيرني ساندرز» (مستقل -فيرمونت) تغريدات يندد فيها بتصرفات مادورو، بما في ذلك قمعه العنيف للمعارضة. لكن «ساندرز» حذر أيضاً من «أننا يجب أن نتعلم من دروس الماضي وألا ننخرط في تغيير الأنظمة أو مساندة الانقلابات.. كما فعلنا في تشيلي وجواتيمالا والبرازيل».
وأشار آخرون إلى الهوة بين الوضوح الأخلاقي المفترض لترامب بشأن فنزويلا ودعمه المستمر للملكيات التي تمثل إشكالية في الشرق الأوسط.
وترى مجموعة أخرى من اليسار، بما في ذلك شخصيات بارزة في الدائرة الداخلية لزعيم حزب «العمال» البريطاني جيرمي كوربين، الأحداث في فنزويلا من خلال منظور أيديولوجية الحرب الباردة. إنها وجهة نظر عالمية تحتفي بنظام مادورو كمقاوم «مناهض للإمبريالية» للهيمنة الأميركية، بغض النظر عن سجله من الفساد الجسيم وسوء المعاملة.
وكتب «جيمس بلودوورث» في مجلة فورين بوليسي «إذا كانت الإمبريالية هي (أعلى مرحلة من الرأسمالية)، كما أشار فلاديمير لينين يوماً ما، إذن فإن انحراف مناهضة الإمبريالية الذي ألقاه اليسار الغربي المعاصر هو التجسيد البشع للاشتراكية المعاصرة». وأضاف أن «النشطاء والمتظاهرين والسياسيين المعارضين في دول مثل فنزويلا وسوريا يعاملون من قبل أتباع هذه العقيدة وكأنهم لا يملكون أي وكالة على الإطلاق وأنهم مجرد بيادق لرأس المال الأميركي».
وهناك غموض أيديولوجي مماثل على اليمين، حيث حاولت شخصيات تتراوح من رئيس البرازيل إلى كاتب عمود محافظ في صحيفة «نيويورك تايمز» لتأطير الأزمة في فنزويلا باعتبارها نتيجة طبيعية للسياسات التي يدافع عنها خصومهم اليساريون في الداخل. وهم يشيرون إلى أن رفع الضرائب على الأميركيين الأثرياء سيقود حتماً إلى مشاهد من الفوضى والحرمان في فنزويلا.
وهذا يتجاهل إلى أي مدى تعد كارثة فنزويلا نتاجاً للجشع والعنف، وليس المذهب الاشتراكي. وكتبت «آن آبلباوم» في صحيفة واشنطن بوست «لم تعان فنزويلا من مذهب فكري فحسب، بل أيضاً من أيديولوجية خاطئة، من اشتراكية تخلت عن الرعاية الصحية والتعليم». وأضافت «إن المأساة الفنزويلية هي لعبة النهاية لشكل معين من السياسة، والمكان الذي ربما ينتهي إليه في نهاية المطاف العديد من الديمقراطيين غير الليبراليين اليوم».
وفي الواقع، فإن الحكومات غير الليبرالية هي بوضوح بين الدول القليلة التي ما تزال في معسكر مادورو. «وقالت «فريدة جيتس» من صحيفة «بوليتيكو»: «فقط انظروا إلى من الذي يساعد مادورو: الصين وروسيا وتركيا وكوبا ونيكاراجوا». وأضافت «إنهم لا يريدون رؤية نجاح ثورات ديمقراطية، وفي حالة الصين وروسيا، لا يريدون خسارة المليارات التي تدين لهم بها فنزويلا».
وفي الوقت نفسه، يحكي الخليط المنوع نسبياً من الحكومات التي انضمت لاعتراف ترامب بجوايدو قصة أخرى. من رئيس كولورادو اليميني إلى الحكومة الكندية (يسار -وسط)، يشعر الكثيرون بأن خروج مادورو سيبدأ عملية طويلة من إخراج فنزويلا من الهاوية. لقد قاد مادورو انهياراً اقتصادياً قاتماً وأزمة لاجئين لم يسبق لها مثيل في نصف الكرة الغربي.
وما يزال الطريق إلى الأمام محفوفاً بالمخاطر، كما ذكر المؤرخان «فيديريكو فينتشلشتاين» و«بابلو بيكاتو» في 29 يناير في صحيفة «ذا بوست»، قد يحاول «مادورو» قمع المعارضة بوحشية، ربما بما يعجل بمزيد من التدخل الأميركي المباشر. أو من الممكن أن يتدخل الجيش لإبعاد مادورو عن السلطة لكنه يحتفظ بامتيازاته وسلطاته، بشكل لا يختلف كثيراً عن الانتقال الذي حدث في زيمبابوي. أو أن يتشبث مادورو بالسلطة ويعزز من سيطرته، مدفوعاً بالتهديدات الأميركية، ومدعوماً بالمرتزقة الروس والقروض الصينية.
بالنسبة للفنزويليين أنفسهم، لا يمكن أن يكون التغيير في وقت أقرب، لكن القليلين يريدون رؤيته يتم من خلال القوة الأميركية. يقول «نايكاري أجريزوت»، طالب من الطبقة العمالية يبلغ من العمر 17 عاماً ومؤيد شديد للنظام «إنني أريد التغيير، ولكن ليس من خلال انقلاب أو تدخل». وأردف «أتمنى أن يدرك مادورو أن الأمور قد خرجت عن السيطرة وأن إفساح المجال لشخص ما يمكنه حقاًّ تغيير البلاد». وقال «جوايدو» نفسه إنه لا يؤيد التدخل العسكري، وهو الخيار الذي رفض البيت الأبيض إزاحته من على الطاولة.
*كاتب متخصص في الشؤون الخارجية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»