«أستعد بفرح للقاء عيال زايد في دار زايد.. دار الازدهار والسلام والوئام والتعايش.. إن هذه الزيارة تمثل صفحة جديدة من تاريخ العلاقات بين الأديان والتأكيد على الأخوة الإنسانية». بهذه العبارات الموجزة عبر قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية عن سعادته بزيارة دولة الإمارات العربية المتحدة عبر رسالة مصورة موجهة لقيادة وشعب الإمارات، بثتها وسائل الإعلام، متوجهاً بالشكر لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، على دعوته الكريمة للمشاركة في لقاء «الأخوة الإنسانية» الذي يشارك فيه كبار الشخصيات الدينية والفكرية من مختلف دول العالم.
ولطالما كان شعب الإمارات متصالحاً مع الآخر، فلم تكن ممارسة الشعائر الدينية للآخر المختلف دينياً قضية تدعو للاختلاف، بل كان التنوع الديني وما يزال واقعاً معاشاً في الإمارات، إذ لا يقتصر مفهوم التسامح على الاعتراف بحق المخالف في اعتناق العقيدة أو المذهب الذي يعتقد، به بل تتم ترجمته شعوراً بأهمية التنوع الموضوعي وضرورة المحافظة عليه. فمنذ تأسيس الدولة الاتحادية، تجلت القيم الإنسانية للشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، باني ومؤسس الاتحاد، في سياسات الدولة عبر ترسيخها مبادئ التعايش والإنسانية على أرض الإمارات، لتوفر مساحة شاسعة من الحريات الدينية لكافة الجنسيات المقيمة على أرضها، في إطار من التصالح والتسامح مع الآخر وفي نطاق القوانين التي حاربت خطاب الكراهية وازدراء الأديان.
وتقوم فلسفة التسامح في دولة الإمارات على قاعدة أن تحمي الدولة حرية العقيدة للجميع على اختلافهم، وأن تمنع أي تهديد يمس حياة أو ممتلكات أي كائن بسبب معتقده الديني.
تتفرد دولة الإمارات بتجربتها في التسامح والتعايش ونجاحها في تقديم نموذج يعلّم البشرية أن الحرية الدينية والتسامح هما أساس التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي والسعادة الإنسانية، وتتميز بتأسيسها نموذجاً مجتمعياً للوئام والسلام المجتمعي تتعايش فيه أكثر من 200 جنسية تأتي من خلفيات عرقية ودينية مختلفة تجسد في تعايشها على أرض الدولة نموذجاً رفيعاً وفريداً للحرية الدينية، إذ يعلم الجميع في دولة الإمارات أن التنوع والاختلاف عامل إثراء وإبداع، على كل المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية، والأهم في ذلك حسن إدارة هذا التنوع والاختلاف، والاستجابة للتطور والاغتناء بالتفاعل بين المختلفين، وهو النموذج الذي ترسخ في تجربة دولة الإمارات.
وتأتي زيارة البابا فرنسيس إلى الإمارات في وقت أصبح فيه التطرف والإقصاء نهجاً للتعاطي مع العلاقات بين الأفراد والجماعات في كثير من بلدان العالم، مما أدى لتعاظم الشقاق في النسيج الإنساني. فالحوار الحضاري العالمي الذي تقوده دولة الإمارات في منتدى الأخوة الإنسانية أصبح حاجة ثقافية واجتماعية ماسة وضرورة تفرضها حالة التشنج والتعصب الفكري والديني، ففي واقعنا المعاصر لا بديل عن الحوار، خاصة في ظل التغيرات الجارفة وصعود منسوب الغلو والتطرف والإقصاء في المجتمعات البشرية.
لقد امتلأ الواقع العالمي والإقليم المعاصر بالتطرف والإقصاء للآخر المختلف دينياً وفكرياً، فبين طرف يخشى «حملات صليبية ثقافية» جديدة وطرف يخشى أسلمة أوروبا، برزت مفاهيم الهيمنة والتطرف ولتصحبها تغييرات جارفة ما بين صعود الغلو والتطرف والعنصرية ووصول الأحزاب اليمينية إلى سدة الحكم في بعض الدول.
وترك تلك الحالة لتتفاعل في المجتمعات، سيحولها بالتراكم إلى كرة ثلج تكبر وتتغذى بالصراعات والتدخلات الخارجية، مفضية لانفجار المجتمعات.
إن الحوار والتسامح والتناغم والتكامل، هو البديل للنماذج الإقصائية في العالم، فالتنوع ناموس رباني ثابت والتسامح هو الحق في الاختلاف.