تطرح زيارة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، إلى أبوظبي علامات استفهام من بينها: لماذا هذه الزيارة؟ ولماذا إلى أبوظبي تحديداً؟ ماذا يريد بابا الكنيسة الكاثوليكية والفاتيكان من وراء هذه الزيارة؟ وماذا تريد دولة الإمارات العربية المتحدة منها؟ أين تلتقي الإرادتان، وأين تتباين؟ وماذا بعد الزيارة؟ بالنسبة للسؤال الأول لا بد من الإشارة إلى أن البابا يؤمن بالأخوّة الإنسانية، كما يؤمن بالحريات الدينية. وهو بصفته الدينية والمعنوية كرئيس للفاتيكان، مهتمّ بشكل خاص بأوضاع مسيحيي الشرق، خاصة بعد الاضطرابات التي عصفت بالمنطقة على أيدي جماعات التطرف والإرهاب. ولقد حاول سلَفَه، البابا بنديكتوس السادس عشر قطع الطريق أمام هذه الاضطرابات عندما دعا في عام 2010 إلى مؤتمر –سينودس- عُقد برئاسته في الفاتيكان حول مسيحيي الشرق.
أما لماذا إلى أبوظبي، فلأن دولة الإمارات العربية المتحدة تحتفل هذا العام بعام التسامح، ولأنها استحدثت وزارة للتسامح، ولأنها تمارس التسامح في سياستها الداخلية من خلال مساعدة أتباع الديانات المختلفة التي تعيش وتعمل معها على بناء معابدها، ومنها الجماعة المسيحية، وإدراكاً من البابا فرنسيس للمعاني التي تحملها هذه السياسة، وتشجيعاً للآخرين للاقتداء بها، كان حرصه على أن يقوم بزيارتها. وقامت الإمارات بدعوته إليها، لتعلن إيمانها بالتسامح على العالم كله. فالدعوة تقول عملياً إن ما تعرّض له مسيحيو الشرق على أيدي المتطرفين لا يمتّ إلى الإسلام بصلة، وإن صلة الإسلام هي مع الحريات الدينية.
وتلبية البابا للدعوة تقول إنه يتبنى هذا الموقف من حيث الشكل والأساس. وإنه تالياً يحثّ مسيحيي الشرق على التجذر في أوطانهم العربية، لأن الحريات الدينية مضمونها فيها، ولأن التسامح جزء من سياستها، ولأنهم هم أنفسهم مواطنون من أبنائها. والصلاة –القداس- التي أقامها البابا في مدينة الشيخ زايد الرياضية والحضور الكبير للمشاركين في الصلاة من المسيحيين كان دليلاً عملياً على ذلك. أما ما يريده البابا من الزيارة فهو تجديد العلاقات مع المسلمين على أساس مقولته بأنه «لا يوجد دين إرهابي، ولكن يوجد إرهابيون في كل دين».
وأبعد من ذلك، فان البابا يحرص على ترجمة ما صدر في «وثيقة نوسترا إيتاتي» التي صدرت في عام 1965 عن المجمّع الفاتيكاني الثاني، والتي تعتبر الاختلاف مع المسلمين بمثابة اختلاف مع الإيمان بالله. ولذلك فانه يحرص على التوجه بمخاطبة المسلمين بالأخوة، وهو ما يترجم عملياً إيمانه بالأخوّة الإسلامية وعمله من أجلها، والزيارة إلى أبو ظبي كانت ترجمة لذلك من خلال الكلمات التي ألقاها، وباللقاءات التي أجراها مع قيادة الدولة، ومع القيادات الدينية التي كانت تشارك في مؤتمر الأخوّة الإنسانية الذي عُقد بشكل موازٍ في أبوظبي أيضاً.