في دلالة شديدة الاستثنائية على التوترات المتزايدة في أوروبا، استدعت الحكومة الفرنسية سفيرها لدى إيطاليا يوم الخميس الماضي. وتشي هذه الخطوة بتدهور شديد في العلاقات بين حكومة الرئيس الوسطي «إيمانويل ماكرون» والائتلاف الشعبوي الحاكم في روما. وخلال الأشهر القليلة الماضية، صعّد نائبا رئيس الوزراء الإيطالي «لويجي دي مايو» المنتمي إلى حركة «خمسة نجوم» وزعيم اليمين المتشدد «ماتيو سالفيني» انتقاداتهما لماكرون وأعربا عن تأييدهما لحركة «السترات الصفراء» المعارضة للحكومة في فرنسا. ويبدو أن الاستفزاز الأخير كان عقد لقاء الأسبوع الماضي بين «دي مايو» وشخصيات بارزة في حركة «السترات الصفراء»، يعتزمون الدفع بمرشحين في الانتخابات البرلمانية الأوروبية المزمع عقدها مايو المقبل. وغرّد «دي مايو» قائلاً: «إن رياح التغيير تهب عبر الألب».
وشعر المسؤولون الفرنسيون بالاستياء من كسر مسؤول رفيع المستوى في الحكومة الإيطالية للبروتوكول المتبع بهذه الطريقة، بتقاربه مع المعارضة من دون حتى إخطار نُظرائه في باريس. وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان لها: «على مدار أشهر، كانت فرنسا هدفاً لاتهامات متكررة وهجمات وتصريحات غاضبة يعرفها الجميع ويدركونها». وأضافت: «إن هذا الوضع غير مسبوق منذ نهاية الحرب».
وليس من الواضح بعد الفترة الزمنية التي يمكن أن يمكثها السفير الفرنسي لدى إيطاليا «كريستيان ماسيت»، الذي تم استدعاؤه إلى باريس للتشاور. لكن الواضح أن شعوراً بالأزمة في العلاقات يتفاقم بين الجارتين والشريكتين الأوروبيتين. ومثلما أشار جيمس ماكوالي و«تشيكو هارلان» الصحافيان في «واشنطن بوست»: «إن استدعاء السفير مثّل قطيعة مع السياسة المتجانسة في أوروبا الغربية ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ قلّما كانت تصل الخلافات بين الحلفاء إلى هذا المستوى».
وسرعان ما لجأ كل من «سالفيني» و«دي مايو» إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فكتب «دي مايو» على «فيسبوك»: «بالنسبة لي، لم يكن ذلك الاجتماع استفزازاً ضد الحكومة الفرنسية الراهنة، وإنما لقاءً مهماً مع قوة سياسية نتشارك معها أموراً كثيرة، بما في ذلك الحاجة إلى توجيه الديمقراطية صوب منح مزيد من الصلاحيات لمواطنين».
وقال «سالفيني» في تسجيل فيديو بثه عبر «فيسبوك» يوم الجمعة الماضي: «اتصل بي صحافيون لأن فرنسا استدعت سفيرها لدى إيطاليا للتشاور معه بسبب شعورهم بالإهانة، فأجبتهم بأنني لا أرغب في الجدال مع أحد، ولا أكترث بالجدال، وما أريده هو حلّ المشكلات».
وكلا السياسيين يتحدثان عن مظالم حقيقية مع فرنسا وماكرون، وينتقدان الحكومة الفرنسية بسبب عدم قيامها بما يلزم لاستيعاب المهاجرين العابرين للبحر الأبيض المتوسط من أفريقيا. ويأخذان على ماكرون توجيه المحاضرات بشأن القيم الأوروبية والتكامل بين دول القارة. ويلومون سياسيين مثل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على تشجيع سياسات مالية أدت إلى محاصرة إيطاليا في دوامة الديون.
وتعهد «سالفيني» بكسر «المحور الفرنسي الألماني» في انتخابات الاتحاد الأوروبي، وغازل بعض جماعات اليمين المتطرف الأخرى وكذلك الحكومات غير الليبرالية في شرق أوروبا. واتهم «دي مايو» مؤخراً السياسات الفرنسية بزيادة الفقر والهجرة على الجانب الآخر من البحر المتوسط. وقال: «إن فرنسا لم تتوقف أبداً عن استعمار أفريقيا». وأدى هذا التصريح إلى استدعاء الحكومة الفرنسية للسفير الإيطالي.
ومثلما أشار «ماكوالي» و«هارلان»، تعكس التوترات المتزايدة التنافس بين «دي مايو» و«سالفيني» نفسيهما. ومع اقتراب انتخابات الاتحاد الأوروبي، أضحى ماكرون هدفاً ملائماً لانتقادات «دي مايو» و«سالفيني» اللذين يقودان حملتين انتخابيتين متنافستين، فهو رمز للوسطية التي عفا عليها الزمن، والنخبوية التي تؤثر على التيار العام في القارة العجوز. وانتقاد ماكرون يُشتت الانتباه عن الاقتصاد الإيطالي الذي يواصل الهبوط، فبحسب بعض الروايات انزلقت الحالة الاقتصادية إلى الركود.
وقد تبدو المشكلات بين الشعبويين في إيطاليا وماكرون مسألة سياسية بسيطة، غير أنها في حقيقة الأمر مواجهات في حرب سياسية قد بدأت لتوّها!
 
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»