قد تحتاج مشكلة فنزويلا، البلد الغني الذي استُفقر بفعل سياسات داخلية خاطئة، وحصار اقتصادي ضاغط ومتعمّد، إلى مقال تحليليّ أعمق، وهي التي بلغ عدد مواطنيها المهاجرين إلى دول الجوار والمكسيك قرابة الثلاثة ملايين نسمة. لذا، فإن نظرتنا ستكون على المقابل الآخر من الأطلسي، حيث تصاعد التوتر بين فرنسا التي اتهمت إيطاليا (بالاستخفاف وعدم الالتزام بالقانون الدولي حيال المهاجرين) واصفةً ما تقوم به من موقف (بالعمل المعيب وغير المسؤول). مما حدا برئيس الوزراء الإيطالي (جوزيبي كونتي) إلى القول: إن إيطاليا لا يمكنها تقبّل دروس مشوبة بالنفاق من دول كانت تفضل دائماً أن تدير ظهرها لكل ما يتعلق بالهجرة. وطالبت إيطاليا إيمانويل ماكرون بالاعتذار. وتطوّر الوضع ليصل إلى سحب إيطاليا لسفيرها، والتصريح على لسان وزير داخليتها (ماتيو سالفيني): إن تفكّك الاتحاد الأوروبي أمر وارد حال استمر الخلاف بين أعضائه. إن ملف الهجرة غير المنظمة من أفريقيا إلى أوروبا، دفع إيطاليا إلى الطلب من حلف الناتو (مساعدتها في الدفاع عن سواحلها الجنوبية في مواجهة تدفق المهاجرين، حيث المخاوف من تسلل إرهابيين). وتعدّ إيطاليا من أكثر الدول الأوروبية استقبالاً للمهاجرين الذين زاد عددهم على السبعمئة ألف مهاجر منذ عام 2014م، وقد فشلت محاولاتها المتكررة في إقناع الدول الأوروبية تقاسم تكلفة رعايتهم مما شكل عبئاً اقتصادياً واجتماعياً عليها. في غمرة التراشق اللفظي هذا، فإن الشيء الوحيد الذي قام به الرئيس ماكرون هو مهاتفة جوزيبي رئيس الوزراء الإيطالي من دون تقديم اعتذار عن تصريحاته، برغم محاولات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في وقت مبكر من يونيو العام الماضي، الدخول على الخط بإقناع ماكرون أن من الضروري أن يكون حل مسألة الهجرة أوروبياً، والأخذ بعين الاعتبار حقيقة التباينات الاقتصادية بين أعضاء الاتحاد بالخصوص حيال ملف الهجرة والرقابة على الحدود الخارجية.
من جهة أخرى، تعد إيطاليا هي صاحبة الاقتراح بإنشاء مكاتب هجرة يديرها الاتحاد الأوروبي خارج القارة لمنع المهاجرين من الوصول إلى الشواطئ في عمليات وصفوها بـ(رحلات الموت)، وتضامنت معها النمسا وألمانيا (والثلاث حكومات يمينية شعبوية). هذه الأزمة كشفت حجم الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي. السؤال: ما الخلاف الأوروبي الأهم وراء الكواليس؟ إنه الصراع على ليبيا، حيث الدور الفرنسي المتصاعد منذ مجيء ماكرون عام 2017م، الذي أثار استياء إيطاليا التي تنظر إلى ليبيا كإحدى مستعمراتها السابقة ولها فيها النفوذ الأكبر، كما أنها الشريك التجاري الأول لطرابلس الذي يعتمد على نحو 35 بالمئة من إمدادات النفط، و20 بالمئة من الغاز الليبي. لذلك فإن أي دعوة فرنسية حول الملف الليبي دأبت إيطاليا على مقاطعتها، وآخرها دعوة لمؤتمر عقد شهر مايو 2018م لم تحضره إيطاليا، بحجة أن على باريس استشارة روما قبل انعقاده. يضاف إلى ذلك وجود القوات الفرنسية قرب حقول "رميلان" النفطية بشمال سوريا بالتنسيق مع الكرد (قسد)، ما دفع روما في منتصف يونيو 2018م إلى دفع 70 من جنودها إلى محافظة الحسكة ودير الزور لتكون على مقربة من النفط. كما أن روما تتهم باريس بمحاولة السيطرة على الاتحاد عبر عمل موازنة مالية لإنشاء جيش أوروبي مصغر مستقل عن "الناتو"، رأت فيه تهميشاً لإيطاليا التي ترفض حتى الآن الاندماج التام في منطقة "اليورو"، مع تمتين تحالفاتها مع اليونان ومالطا والنمسا والمجر وبولندا - وكلها يمينية - لخلق دوائر نفوذ داخل الاتحاد الأوروبي. السؤال: هل التفكك هو الذي ينتظر مستقبل الاتحاد الأوروبي؟