نود أن نسجل هنا، بكل إجلال وإكبار، هذا النجاح الفائق الذي تحقق في تنظيم حدث يرقى إلى العالمية شهدته دولة الإمارات مؤخراً، وهو زيارة الرمزين الدينيين، قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وسماحة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبحضورهما انعقد «المؤتمر العالمي للأخوّة الإنسانية» الذي نظمه «مجلس حكماء المسلمين» برئاسة الإمام الأكبر، وتوقيعهما وثيقةَ «الأخوّة الإنسانية»، وحضورهما الكشف عن حجري الأساس لمسجد الشيخ أحمد الطيب، وكنيسة القديس فرنسيس في العاصمة أبوظبي.
وقد صدرت عن «المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية»، المنظم في أبوظبي برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وثيقةُ «الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك». كما قام البابا فرنسيس بأحياء قداس كبير في العاصمة أبوظبي، حضرته جموعٌ غفيرةٌ غصت بها مدينةُ زايد الرياضية، تجاوز عددُها 180 ألف شخص ينحدرون من جنسيات مختلفة من المسيحيين المقيمين في دولة الإمارات، ومن القادمين من خارجها لحضور المناسبة البابوية غير المسبوقة.
إن اختيار البابا فرنسيس دولةَ الإمارات كوجهة لأول زيارة بابوية لشبه الجزيرة العربية، لم يكن ليحدث لولا الرصيد الذي تتمتع به دولة الإمارات من السمعة الطيبة، وتوافرها على بيئة منفتحة على جميع الأمم بمختلف ثقافاتها وعقائدها وأعراقها ونجاحها في إرساء ثقافة العيش السلمي المشترك بين جميع الأديان على أرضها وفي ترسيخ مبدأ قبول الآخر، واحترام الاختلاف والتنوع.. مصداقاً لقوله عز وجل: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائلَ لتعارفوا..» (الآية 13، الحجرات).
إن ثقافة التعايش والقبول والاعتراف بمبدأ التنوع الثقافي، نابعان من أصالة شعب الإمارات وموروثه العريق، فهو شعب ودود ومسالم، ويمثل التسامح واحدة من سماته الأساسية، كما أنه يستمد سلوكه من موروثه الثقافي وأعرافه الاجتماعية وتوجيهات شرعه الإسلامي السمح والقيم الدينية المشتركة للعائلة الإبراهيمية ككل.
وبهذه المناسبة، نذكر أن البابا فرنسيس، ومنذ بداية اختياره لهذا المنصب، أثار شعوراً كبيراً بالارتياح لدى الجميع، لما عُرف عنه من بساطة وتواضع ونزعة إنسانية لافتة. وكان قد رحَّب باختياره على الفور رجالُ الدين الإسلامي في مدينته بيونس آيرس، والتي كان يرأس أساقفتها، لما عُرف عنه من احترام للإسلام، حيث وصفوه في بيانهم بـ«صديق المجتمع الإسلامي».
وإزاء هذا الحدث المهم، فإني أشعر باعتزاز كبير لأن دولة الإمارات وُفِّقت أعظم التوفيق في الجمع بين شخصيتين ذواتي شأو وريادة لديانتين عظيمتين تضمان ثلاثة مليارات نسمة، اجتمعتا على أرض الإمارات، وخرجتا بحصيلة إنسانية عظيمة.
وبقراءة متأنية لوثيقة الأخوّة الإنسانية، سنجد إرهاصات إيمانية وروحانية سامية غشيت مقدمة الوثيقة، ما يدل على أن نص الوثيقة مدروس ومؤسس على مرتكزات يقينية، وأنه قد تمت صياغتها بعناية فائقة، مع اختيار مدلولاتها اللغوية والزمنية المعبِّرة عن المشتركات بين الديانتين الإسلامية والمسيحية. وقد شكلت هذه المشتركاتُ مصفوفةَ الوثيقة، إذ تعتمد كل ما سبقها من وثائق عالمية نبّهتْ إلى أهمية دَور الأديان في بناء السلام العالمي، وإعلاء قيم الأخوّة الإنسانية، وأكدت الحرية والعدل والحوار وحماية دور العبادة ونبذ الإرهاب البغيض الذي يهدد أمن الناس، وعلى مفهوم المواطنة الذي يقوم على المساواة في الواجبات والحقوق.
الوثيقة بهذه الصياغة الرفيعة، لغةً وفكراً، تعد إنجازاً عظيماً يرقى إلى مستوى العالمية بكل جدارة واستحقاق، لذلك ينبغي إيداعها كوثيقة لدى الأمم المتحدة، للاسترشاد بها في بناء مستقبل السلام في العالم.