خلال الآونة الأخيرة برزت في دولة الكويت قضية المطالبة بإلغاء القروض الشخصية التي يصل إجماليها إلى 40 مليار دولار، واشتدت المطالب بعد أن تبنى بعض أعضاء مجلس الأمة «البرلمان» هذه المطالب، لتحقيق غايات انتخابية خاصة بهم على حساب موارد الدولة وتنميتها، علماً بأن هذه المطالب يُعاد تكرارها بين فترة وأخرى.
هذا المطلب لا يوجد له مثيل في بلدان العالم كافة من دون استثناء، لأنه ببساطة مخالف لكل الأنظمة والتشريعات الاقتصادية والمالية، صحيح أن الكويت سبق وأن ألغت الديون كافة على الأفراد بعد تحريرها من الغزو العراقي، إلا أن ذلك تم في ظروف استثنائية تطلبت ذلك، إذ فقد معظم الكويتيين ممتلكاتهم ومدخراتهم ومصادر رزقهم، مما ساعدهم على البدء في حياة جديدة ومكلفة، أما في الوقت الحالي، فإن دولة الكويت، كبقية دول مجلس التعاون تشهد نمواً اقتصادياً، كما أن الغالبية الساحقة من المقترضين قادرون على تسديد التزاماتهم، ويقومون بذلك بصورة منتظمة، وفي الأوقات المحددة.
لا شك يوجد من بينهم بعض المتعسرين لأسباب مختلفة، حيث تقوم دول المجلس في المناسبات بتسديد ديونهم بعد دراسة كل حالة على حدة، وبالأخص من يقبع منهم في السجن، مما يحمل معه الكثير من الجوانب الإنسانية التي تسعد الجميع. وللأسف، فقد انضمت بعض البنوك لهذه الجوقة والترويج لها لتشجيع الناس على الاقتراض، على اعتبار أن الدولة ستقوم بإلغاء القروض، مما يعني أن هناك أكثر من طرف يحاول استغلال عدم وعي بعض أفراد المجتمع وتحريضهم على المطالبة بتسديد الدولة للقروض الشخصية، متناسين أن ذلك لا يمت للإدارة الاقتصادية الحديثة بأي صلة. أربعون مليار دولار يمكن أن تُستغل في الكويت لبناء عشرات المشاريع التنموية في العديد من القطاعات الحيوية، كالبتروكيماويات والتصنيع والسياحة والنقل والبنى التحتية وغيرها، تساهم في تنويع مصادر الدخل الوطني وتوجد مصادر دخل بديلة وتوفر الكثير من فرص العمل وتنمي الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي وما يليه من زيادة الصادرات وتحسين الميزان التجاري وتوفير مصادر تمويل إضافية لموازنة الدولة، بدلاً من إهدارها في تغطية قروض استهلاكية يتحمل مسؤوليتها المقترضون والجهات المقترضة وليس للحكومة أي علاقة بها.
يبدو أن البعض في الكويت ينظر إلى الدولة، كجمعية خيرية، متناسياً أن الدولة مؤسسات وأنظمة وتشريعات وإدارة للتنمية التي يتم تسخيرها لإيجاد حياة مستقرة وكريمة لأفراد المجتمع كافة، واستثمار الثروات للبناء المستقبلي، والتنمية المستدامة التي تحفظ حقوق الأجيال القادمة، حيث تملك الكويت وبريادة لافتة صندوقاً خاصاً للأجيال المقبلة تضخ فيه سنوياً استثمارات كبيرة لتنميته وزيادة قدراته. والحال، فإن الكويت ما زالت تقدم دعماً كبيراً للمواد الغذائية والمحروقات والعديد من السلع الأساسية، والتي تتحملها الموازنة السنوية، حيث بلغت قيمة الدعم 13 مليار دولار في موازنة العام الجاري 2019، والتي يستفيد منها أفراد المجتمع كافة من مواطنين ومقيمين، وهو بحد ذات عبء كبير لموازنة الدولة، كما أن الكويت ما زالت بعيدة عن تطبيق الضريبة الانتقائية المفروضة على بعض السلع المضرة، كالتبغ والمشروبات الغازية وكذلك ضريبة القيمة المضافة. مع أن من المستبعد أن يتم إلغاء القروض الشخصية، فهذه الحملة ستنتهي، كما انتهت غيرها من الحملات السابقة، إلا أن من الضرورة بمكان التنبيه إلى الالتزام بالأنظمة الاقتصادية والمالية، وأن لا يترك ذلك إلى تفسيرات الناس البسطاء، أو بعض الجهات، بما فيها البرلمانية الشعبوية التي تحاول استغلال سذاجة البعض لتلعب على دغدغة مشاعرهم أو مصاعب بعض الأفراد المالية، والتي يمكن إيجاد حلول لها في نطاق الأنظمة والقوانين المعمول بها. كما أن من المهم ألا تغيب عن الجميع، بمن فيهم نواب الخدمات المصلحة الاقتصادية العليا للكويت ومستقبلها التنموي وتسخير ثرواتها لبناء اقتصاد حديث ومتنوع بعيداً عن النفط، وهو اتجاه بدأ يأخذ حيزاً مهماً من اهتمام بعض القيادات الحكومية العليا، مما يتطلب دعمه وتشجيعه.