خطوط مستقبل الإمارات واضحة إلى العام 2071، أي لقرن من عمر الزمان، فهي جزء راسخ مما تقوم عليه دول العالم المتقدم في شتى مناحي الحياة. فعلى مستوى الدولة فإن ميزانياتها موضوعة سلفاً دون أن يشوبها عجز، أما على مستوى إمارة دبي فقد أمَّن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لها ميزانية مستقبلية تقارب عشرين ضعف الميزانية السنوية للإمارة. أما بالنسبة لشريان الحياة فقد تم الإعلان خلال جلسات القمة عن تخزين قرابة 6 مليارات جالون من الماء تحسباً لمستقبل السكان في دبي، وخاصة إذا علمنا بأن عدد سكان الأرض سيتضاعف عام 2050، أي سيبلغ نحو 14 مليار نسمة. في العام 2015 حضرنا حفل تدشين خطة دبي المستقبلية بتفاصيلها، ويومها فاجأنا بوراشد بإرسال رسالة عبر طائرة «درون» حلت على قاعدتها في المسرح أمام الحضور في لفتة مباشرة وعملية في قلب المستقبل والمُستقبِل بنفس الوقت لكي يدرك الجميع بأن عهداً جدياً في الدولة بدأ في البزوغ بأدواته المبتكرة.
ولم تمر ثلاثة أعوام على هذا الحدث، حتى تم اختيار دبي وأميركا لإجراء التجارب الأولية للسيارة الطائرة والذاتية القيادة لتكون أحد البدائل المتوافرة لتاكسي المستقبل، إضافة إلى وسيلة النقل المعلقة، والتي تم كشف النقاب عنها في قمة 2019. أي مطار في العالم يمثِّل وجه البلد للزائر والعابر والمقيم.
هذا الوجه الأول إما أن يكون ناعماً مشرقاً يرسم على محياه ملامح الأمل لمستقبل أفضل، أو وجهاً مكفهراً لا يشجع إلا للخروج منه بأسرع وقت ممكن.
مررنا من مطارات العالم، ورأينا كلا الوجهين، لذلك أدركت القيادة الرشيدة هذه الحقيقة وأمسكت بالمفتاح السري لمعرفة الدول وتعريفها أو تسويقها للآخرين.
لقد أعطى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في قصته الخمسينية أهمية خاصة للمطار الأول في دبي، وقد شارك شخصياً مع والده رحمه الله الاجتماع الذي عقد في لندن من أجل السماح لدبي بإنشاء مطار خاص بها بعد جهود مضنية وإصرار الحكومة البريطانية للاكتفاء بالمطار العسكري بإمارة الشارقة، ولكن الفكر المستقبلي للشيخ راشد ورؤيته الثاقبة كسرت عناد البريطانيين في سحب الموافقة للمضي في بناء المطار الأول بعد أن كان المطار في دبي عبارة عن ممر مائي في خور دبي الوجه الحضاري لامتداد دبي عبر أكثر من خمسة آلاف عام في عمق التاريخ.
لقد كنت شاهداً على حركة الطيران في أوائل الستينيات من القرن الماضي عندما كان أحد أقاربي من تجار اللحوم يصطحبني معه لتسلم بضاعته من المطار العسكري بالشارقة. وأيضاً كنت مصاحباً لعملية بناء مطار دبي الأول، وقد سافرت منه إلى البحرين في أوائل سبعينيات القرن الماضي، وكان في حينها تحفة معمارية وفنية راقية ذات دلالة واضحة بأن المطار كان وجه خير على دبي وكل ركاب الدول التي تعبر منه إلى وجهات أخرى.
جاء اليوم الذي تدخل فيه مطارات الدولة كلها في سباق تنافسي لم يشهده العالم من قبل، وخاصة بعد أن تحول مطار آل مكتوم إلى مدينة كبرى للطيران، وقد اعترفت بريطانيا اليوم بتفوق مطار دبي على كافة مطارات بريطانيا. حقاً لقد حصنت الدولة نهضتها الحضارية والإنسانية بسياجين قويين منذ القدم. لقد أشار بوراشد في قصته إلى جده الشيخ سعيد آل مكتوم رحمه الله، الذي غرس في دبي بذور التعايش الإنساني لقرابة خمسة عقود حكم فيها على أساس التنوع الثقافي والبشري بروح من التسامح الفطري بين جميع مكونات النسيج الاجتماعي.
ومع ازدهار الدولة أصبح التعايش الإنساني والتسامح طوقين يحميان مستقبلها من شرور الإنسان والمكان والزمان. ألا يكفينا فخراً شرف استقبال 140 حكومة في الدولة وعقد أكثر من 600 ورشة عمل يناقش فيها خبراء العالم ويتنافس فيها الأفكار، وتتحاور فيها الرؤى لبناء بنك عالمي للمعرفة في الدولة تعصف بأذهان كل المشاركين لبناء مستقبل تشاركي ترفع من شأن البشرية انطلاقاً من الإمارات.