حرصت القمة العالمية للحكومات في دورتها السابعة على عقد منتدى للعمل الإنساني، للمرة الأولى ضمن منتدياتها، شارك فيه كوكبة من المسؤولين والخبراء والمتخصصين في مجال العمل الخيري والإنساني من داخل الدولة وخارجها، وذلك بهدف تسليط الضوء على النماذج الملهمة في هذا المجال، ولتحديد طبيعة التحديات التي تواجه المنظمات والجمعيات الإنسانية والخيرية، ولتقديم أفكار جديدة ومقترحات بناءة يمكن الاستفادة منها في الارتقاء بالعمل الإنساني، وتعظيم أوجه الاستفادة منه على الصعد كافة.
ولعل أخطر التحديات التي تواجه العمل الإنساني في وقتنا الراهن، تتمثل باستغلال الجماعات والتنظيمات المتطرفة للأوضاع الإنسانية الصعبة في بعض المجتمعات، وما يترتب عليها من انتشار الفقر واليأس، في تجنيد النشء والشباب، ولهذا حرص المشاركون في هذا المنتدى على تأكيد أهمية العمل الإنساني في مكافحة التطرف، من خلال توظيف العمل الإنساني والخيري في بث روح الأمل ومساعدة المحتاجين، لئلا يكونوا ناقمين على المجتمع، وعرضة للاستغلال من جانب هذه الجماعات المتطرفة.
لقد شكّل هذا المنتدى فرصة لعرض تجربة دولة الإمارات الملهمة في مجال العمل الإنساني والخيري، وإبراز الدروس التي يمكن للدول الأخرى الاستفادة منها، خاصة في ظل الخبرات الكبيرة التي اكتسبتها الدولة في هذا المجال منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وهو الذي حرص على أن يكون البعد الإنساني نهجاً ثابتاً في سياسة دولة الإمارات الداخلية والخارجية، حتى أصبحت دولة الإمارات الآن العاصمة الإنسانية الأولى في العالم، وهي التي تتجه إليها الأنظار في كل مرة تحتاج فيه منطقة أو شعب إلى العون والمساندة، وخاصة أنها تقدم مساعداتها الإنسانية بتجرد تام من أجل مصلحة شعوب العالم كافة. وليس أدل على ذلك من تصدر دولة الإمارات للمرة الخامسة على التوالي، قائمة أكبر المانحين الدوليين في مجال المساعدات الإنمائية الرسمية قياساً إلى دخلها القومي بنسبة 1.31% وبما يقترب من ضعف النسبة العالمية المطلوبة 0.7% التي حددتها الأمم المتحدة كمقياس عالمي لقياس جهود الدول المانحة، وذلك وفقاً للبيانات الصادرة عن لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في شهر أبريل 2018.
لقد كان هناك إجماع واضح من جانب المشاركين في هذا المنتدى على أن دولة الإمارات تقدم نموذجاً رائداً في مجال العمل الإنساني، ليس فقط لأنها تنطلق من فلسفة أخلاقية تعلي من قيم التضامن والتكافل الإنساني والتسامح والتعايش مع الآخرين، إنما أيضاً لأنها تسعى إلى إيجاد حلول فاعلة للتحديات المختلفة التي تؤثر في العمل الإنساني والخيري، سواء من خلال مبادراتها التي تستهدف تخفيف معاناة الضحايا في مناطق الأزمات والصراعات، أو من خلال تعزيز شراكتها مع المنظمات الأممية والدولية لتنسيق الجهود الرامية إلى تعظيم مردودات العمل الإنساني والخيري على الصعيدين الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، أكد جوسيبي سابا، المدير التنفيذي للمدينة العالمية للخدمات الإنسانية، أن دولة الإمارات سباقة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وأصبحت نموذجاً يُحتذى به، من حيث القيم الإنسانية والتسامح كما أن التطور والنمو، مشيراً إلى أن منتدى العمل الإنساني الأول الذي عقد ضمن فعاليات القمة العالمية للحكومات، جاء مجسداً هذه الريادة.
ولا شك في أن تخصيص القمة العالمية للحكومات، للمرة الأولى، منتدى خاصاً لمناقشة مستقبل العمل الإنساني، وتسليط الضوء على النماذج والشخصيات الناشطة في هذا الشأن، وهي التي أسهمت في تطوير العمل الإنساني والخيري، وكذلك مناقشة السبل الكفيلة بالتصدي للتحديات التي تواجهه، وإنما يجسد بوضوح التزام دولة الإمارات بالعمل على تطوير العمل الإنساني والخيري، وتعظيم مردوداته الإيجابية، وبما يسهم في تخفيف معاناة ضحايا الأزمات والكوارث والصراعات التي خلفت وراءها ملايين اللاجئين والمحتاجين والمشردين في العديد من مناطق العالم، فهذه هي رسالة دولة الإمارات الحضارية والإنسانية التي تسعى من خلالها إلى نشر قيم التضامن والتعاضد الإنساني والأمل في العالم أجمع.

 *عن نشرة "أخبار الساعة"  الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.