قبل انتخابات 2014 العامة، كان حزب «المؤتمر الوطني» الهندي قد حكم البلاد فترة عشر سنوات. في ذاك الوقت، كان هذا الحزب الذي أنجب زعماء تاريخيين مثل غاندي ونهرو قد قرر بالإجماع انتخاب د. مانموهان سينج زعيماً له وجعله رئيس وزراء الهند. سينج، وهو زعيم هادئ ووقور ورجل نبيل، قاد البلاد نحو نمو اقتصادي مثالي محققاً هدف معدل نمو سنوي بين 9 و10 في المئة. وفي عهده أيضاً، شهد سوق المال استقراراً وحققت البلاد تقدماً سريعاً في كل القطاعات تقريباً مثل الاتصالات والإعلام وتكنولوجيا الفضاء.
وقتئذ، لم يكن حزب «المؤتمر» يتمتع بالأغلبية في البرلمان، وكان يدير الحكومة بمساعدة بضعة أحزاب محلية كانت شريكة له ضمن الائتلاف الحكومي. ونتيجة لذلك، كان الحزب يواجه إكراهات الحفاظ على تماسك الائتلاف. كما أن عدداً من القرارات التي اتخذتها حكومة «المؤتمر» وقتئذ كانت محل طعن وتشكيك من قبل حزب «بهاراتيا جاناتا»، الذي كان في المعارضة آنذاك. فبدأ هذا الأخير يتهم الحكومة بفساد واسع النطاق، وخاصة في مجال الاتصالات. ونظراً لأن «سينج» لما يكن خطيباً مفوهاً وإنما عالم اقتصاد عذب الكلام قبل أن يتحول إلى سياسي، بذل حزب «بهاراتيا جاناتا» ما في وسعه لاستغلال نقطة الضعف هذه فأخذ يحدث ضجيجاً مدعياً الفساد والمحسوبية في بعض الصفقات.
ومع اقتراب موعد انتخابات 2014 العامة، أدرك حزب «بهاراتيا جاناتا» أنه استطاع تسويق خطابه بنجاح، وأن الفرصة باتت مواتية لتقديم وجه جديد للحزب يمكن أن يكون متحدثاً جيداً وذا تجربة وخبرة. كما أسهم ميل بعض الناخبين إلى تجريب وجه جديد بدلاً من التصويت لرئيس الوزراء المنتهية ولايته في ترجيح كفة «بهاراتيا جاناتا». وفي الأخير، فاز الحزب بزعامة وجهه الجديد «ناريندرا مودي» في الانتخابات بأغلبية كبيرة باعثاً الأمل في التغيير، وواعداً بوظائف لملايين الهنود، وبتسهيل مناخ الأعمال من أجل جذب استثمارات أجنبية.
الآن وبعد مرور خمس سنوات، ورغم أن «ناريندرا مودي» ما زال شخصية تتمتع بشعبية كبيرة، إلا أنه يواجه مشاكل في وقت يسعى فيه لإعادة الانتخاب لولاية جديدة من خمس سنوات. ومن غير المرجح أن يحوز الأغلبية نفسها التي حصل عليها في انتخابات 2014، وذلك لأن حكومته فشلت فشلاً ذريعاً في إنجاز ما وعدت به الناخبين من ملايين الوظائف ونمو اقتصادي سريع، بل إن نحو 11 مليون هندي فقدوا وظائفهم خلال 2018، وفق تقرير لـ«مركز مراقبة الاقتصاد الهندي».
وعلاوة على ذلك، فإن قطاع الزراعة الهندي يشهد أزمة أيضاً إذ يخوض المزارعون احتجاجات بسبب بعض المشاكل، إذ يعاني هؤلاء من تدني مداخيلهم، وسوء منشآت الري، وتراكم الديون. كل هذه العوامل أدت مجتمعة إلى هزائم انتخابية لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في معاقله الرئيسية في ولايات تشاتيس غره وراجستان ومادهيا براديش أمام حزب«المؤتمر» في ديسمبر الماضي. وأدت الهزائم إلى تسابق بين أحزاب المعارضة على تشكيل تحالف. كما أن عدداً من الأحزاب السياسية المحلية دخلت في تحالف سياسي ضد حزب «بهاراتيا جاناتا» في ولايات البلاد الكبيرة، وهو ما بدأ يثير القلق داخل الحزب الحاكم.
غير أن ما يثير الخوف حقاً في الحزب الحاكم والمنظمات اليمينية التابعة له هو دخول بيريانكا غاندي، الأخت الأصغر لرئيس حزب المؤتمر راهول غاندي والمنحدرة من عائلة غاندي نهرو، وهي سلالة سياسية قوية منحت الهند ثلاثة رؤساء وزارات. الدخول الرسمي لهذه السيدة الكاريزمية إلى السياسة قبل الانتخابات العامة بثلاثة أشهر بعث الحماس في أنصار الحزب لأن من شأنه أن يساعد حزب المؤتمر على التقرب من الناخبين الشباب والنساء والأقليات.
وقد تولت مسؤولية شرق أوتار برادش التي تُعد أكبر ولاية هندية.
دخول «بيريانكا غاندي» عالم السياسة يُنظر إليه باعتباره ورقة رابحة من قبل حزب «المؤتمر»، على اعتبار أن من شأنه إحداث تغيير وبث الحماس في الناخبين الشباب وناخبي الطبقة المتوسطة. وهي تشتهر بفصاحة لسانها وبقوتها ورباطة جأشها. وحتى الآن، لم تكن تظهر على الإعلام إلا خلال موسم الانتخابات من أجل مساعدة والدتها وشقيقها في حملتيهما الانتخابيتين.
هذا وتُعد «أوتار براديش» واحدة من أهم الولايات سياسياً نظراً لأن لديها 80 مقعداً في الغرفة السفلى للبرلمان، وهو أكبر عدد من المقاعد مخصص لأي ولاية هندية. هذه الولاية من المنتظر أن تشهد معارك انتخابية محتدمة، ما سيمثل تحدياً بالنسبة لغاندي، التي تواجه رئيس الوزراء «ناريندرا مودي»، ذلك أن الولاية لا تشمل دوائر عائلة غاندي فحسب، ولكن دائرة رئيس الوزراء «مودي» أيضاً.
غير أنه مع دخول «بيريانكا غاندي»، لم يكشف حزب «المؤتمر» عن ورقته الرابحة فحسب، ولكنه استطاع أيضاً صرف الانتباه عن تطورات سياسية أخرى، على الأقل في الوقت الراهن. والواقع أنه ما زال من غير الواضح ما إن كانت «بيريانكا» ستستطيع إعادة إحياء ثقة الناخبين في حزب «المؤتمر» بزعامتها الكاريزمية، ولكن من الواضح أن «بهاراتيا جاناتا» الحزب الحاكم ينظر إلى دخولها المعترك السياسي باعتباره تهديداً جدياً لتطلعاته الانتخابية في 2019.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي