يتقاسم العرب مع العديد من الأمم الأخرى الإيمان بوجود الخالق، والاعتقاد بأن الأعمال الصالحة هي التي تجلب الخير للبشرية. لكن لماذا يعاني العرب من شظف العيش والتخلف والجهل والمرض، ومن أسباب المعاناة اللامنتهية؟ ربما أن واحداً من أهم أسباب ذلك هو التدخلات الخارجية في شؤونهم، خاصة من قبل أمم الغرب وروسيا، وفي السنوات الأخيرة من قبل إيران وتركيا. هذه التدخلات عملت على أن تبقى العالم العربي في دوامة وفوضى وعدم استقرار. قد يقول البعض بأن الغرباء ليسوا مسؤولين عن تخلف العرب وفقرهم، لكن ليس ممكناً لهم القول بأن الغرباء غير مسؤولين عن معاناة العالم العربي من عدم الاستقرار والفوضى والتفكك، فالعالم العربي ليس متروكاً للعيش كما يشاء، ونادراً ما أتيحت لأهله الفرصة للعمل على حل مشاكلهم بأنفسهم. في ظل التدخلات الأجنبية المستمرة عادة ما يعود العرب إلى الإسلام لكي يستعينوا به للتخلص من الغرباء عن طريق عمليات الأسلمة الرسمية وغير الرسمية. وتعتبر العمليات الرسمية التي يدخل فيها فاعلون غير حكوميين هي المجال الذي من المحتمل له أن تستمر فيه عمليات أسلمة السياسة في البقاء والتماسك أكثر. لكن من المحتمل لمداخل سلطة الدولة أن تبقى موصدة بإحكام في وجه النشطاء الإسلاميين الذين يسعون لتحطيم الدولة الوطنية. إن من المحتمل أن تكون سياسات المجتمع وحقوق الرفاه الاجتماعي ووجود عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية هي القضايا التي يستغلها «الإسلاميون» ويكون فيها صوتهم أعلى، ومن خلال ذلك يقومون بالسيطرة على عقول وأفئدة الناشئة المنتمين إلى الفئات والطبقات الاجتماعية الأقل حظوظاً في المجتمع اقتصادياً لكي يشكلوا من خلالهم كوادرهم التي يمارسون بواسطتها العنف السياسي.
من هنا تبدأ الحلقة المفرغة من العنف السياسي والعنف السياسي المضاد التي تقود إلى الحروب الأهلية. إن الحروب الأهلية هي حروب داخلية، يطلق عليها المتطرفون «الجهاد إلى الداخل» الذي أطلقه ونادى به سيد قطب، ومارسته حركة «الجهاد الإسلامي» أول الأمر ثم تبنته العديد من العناصر الإرهابية المتطرفة التي وجهت جام عنفها إلى الدولة الوطنية والمجتمع، في نمط رهيب من الإجرام المتعمد الذي تصدت له دول العالم العربي بشكل واسع وتمكنت من تخفيف وطأته خلال عقد تسعينيات القرن العشرين، ثم مع بداية الألفية الثالثة عندما تجلى بصور أكثر عنفاً ودموية في تنظيم «القاعدة» و«داعش»، وغيرهما من حركات التطرف والعنف والإرهاب.
وعودة إلى بداية الحديث، نقول بأن ذلك قاد إلى ما قام به الإرهاب من تأسيس لعدم وجود ارتباط على المستويين الرسمي وغير الرسمي بين العرب والعالم الخارجي من خلال الاستغلال السياسي للإسلام، الأمر الذي أساء إلى مصالح العرب والمسلمين أشد الإساءة. إن الممارسات والتهديدات بالعنف والإرهاب من قبل المتطرفين ضد أهداف خارجية سيطر على النقاش حول الإسلام والعرب في وسائل الإعلام على مدار العالم. وهذا بدوره قاد إلى تصوير جميع العرب والمسلمين بأنهم متعطشون إلى سفك الدماء، ومجرمون وإرهابيون وقتلة مارقون. ذلك جعل من الحوار وعلاقة العرب والمسلمين بالعالم الخارجي صعبة جداً، شجعت العناصر المتطرفة على ترديد نمطية أن الشعوب والأمم الأخرى جميعاً سيئة، وتشكل «داراً للحرب» في مقابل «دار الإسلام»، فهل يصح ذلك ونحن في عصر العولمة وتبادل المصالح بين أمم الأرض دونما سقف أو حدود؟
*كاتب إماراتي