جاء اعتماد هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس (مواصفات)، لمواصفة قياسية إلزامية لمنتجات النيكوتين الإلكترونية، ليلقي بالضوء مرة أخرى على المساعي الحكومية لدعم جهود الحد من التدخين، ومكافحة الأمراض الناتجة عنه، ومنع انتشار منتجات السيجارة الإلكترونية والمنتجات النظيرة بشكل غير مقنن في أسواق ومنافذ البيع في الدولة. حيث استند هذا الاعتماد على أفضل الممارسات العالمية في هذا الإطار، وعلى غرار الاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية لمكافحة التبغ، والتشريع الأوروبي، والمواصفات البريطانية في هذا الشأن، فضلاً عن القانون الاتحادي الإماراتي رقم 15 لسنة 2009 بشأن مكافحة التبغ.
وبوجه عام، تتمتع السجائر الإلكترونية (E-Cigarette) بتاريخ حديث نسبياً، إذ تعود بالتحديد إلى عام 2004، عندما طرحت إحدى الشركات الصينية وسيلة مبتكرة لتعاطي النيكوتين، استقت فكرتها من اختراع أميركي تم تسجيل براءته في عام 1963، وإن كان لم يسوق بشكل واسع حينها، إلا بعد أن نجح أحد الصيادلة الصينيين في تطويره، باستخدام تقنية الموجات الصوتية. وتعتمد فكرة هذا الجهاز على ضغط، ثم ضخ بخار من سائل يحتوي على مادة النيكوتين، يستنشقه المدخن كما يستنشق دخان التبغ، ويصل إلى مجرى الدم عبر أنسجة الرئة، تماماً كما يحدث في عملية التدخين المعتادة.
وفي الوقت الذي يتسبب فيه تدخين منتجات التبغ في الإصابة بكتالوج كبير من الأمراض والعلل الصحية، أهمها سرطان الرئة، وأمراض القلب والشرايين، نجد أن المادة الرئيسية التي يسعى المدخنون للحصول عليها من خلال استخدام منتجات التبغ، أو النيكوتين، لا تشكل في حد ذاتها خطراً صحياً فادحاً، ولا تعتبر مسؤولاً رئيسياً عن التبعات الصحية الخطيرة التي تترافق مع استهلاك منتجات التبغ. وإن كان هذا لا يعني أنه ليس للنيكوتين أثار صحية سلبية، حيث يؤدي استخدامه إلى رفع ضغط الدم، وزيادة سرعة ضربات القلب، بالإضافة إلى بعض التأثيرات السلبية على جدران الأوعية الدموية، مشابهة للتأثيرات المصاحبة لضيق وتصلب الشرايين.
لكن في ظل التقديرات التي ترى بأن حجم الأضرار الناتجة عن استخدام السجائر الإلكترونية، يقل بنسبة 95 في المئة عن حجم الأضرار الناتجة عن استخدام السجائر التقليدية، اقترحت بعض الهيئات الصحية العاملة في مجال الصحة العامة، ومكافحة استخدام منتجات التبغ، مثل وكالة الصحة العامة في إنجلترا (Public Health England)، صرف السجائر الإلكترونية، والسائل الذي يستخدم فيها، من خلال وصفات طبية، وربما حتى على نفقة نظام الرعاية الصحة الوطني، خصوصاً بعد أن ثبتت فعاليتها في المساعدة على وقف التدخين نهائياً، وذلك مقارنة بالوسائل الأخرى المتاحة في وقتنان الحالي، وبعد أن أظهرت البيانات والإحصائيات أن استخدام السجائر الإلكترونية يساعد 20 ألف شخص سنوياً في إنجلترا وحدها على الإقلاع عن التدخين بشكل نهائي. ويتوقع أنه إذا ما تم قبول هذا الاقتراح، أن يخضع تصنيع وتوزيع منتجات السجائر الإلكترونية لإشراف «هيئة تنظيم الأدوية والعقاقير والمنتجات الطبية»، وهو المثال الذي ربما سيحتذى به في باقي دول العالم.
وجدير بالذكر في هذا السياق أن مبيعات السجائر الإلكترونية شهدت في الآونة الأخيرة زيادة هائلة، مع التوقع باستمرار هذه الزيادة خلال الأعوام القليلة القادمة، ولدرجة أن إحدى الشركات الأميركية التي تأسست قبل ثلاثة أعوام فقط، وصلت قيمتها السوقية حالياً إلى أكثر من 45 مليار دولار (170 مليار درهم)، بعد أن سيطرت على 75 في المئة من مبيعات السجائر الإلكترونية في الولايات المتحدة، وهو ما حدى بالشركة الأم لإحدى أشهر ماركات السجائر التقليدية، لشراء حصة أقلية بنسبة 35 في المئة في شركة السجائر الإلكترونية تلك، مقابل 16 مليار دولار، منتصف شهر ديسمبر الماضي.
وفي الوقت الذي ترى فيه الغالبية العظمى من الناس حالياً أن السجائر الإلكترونية أقل ضرراً بمراحل إذا ما قورنت مع السجائر التقليدية، تتزايد المخاوف من ازدياد استخدامها بين فئة المراهقين وصغار السن. فوفقاً لمسح قامت بإجرائه جامعة شيكاغو في الآونة الأخيرة، فقد تضاعف عدد مستخدمي السجائر الإلكترونية من طلاب الصف الثاني عشر، من 11 في المئة عام 2017 إلى 21 في المئة عام 2018. وحتى طلاب الصف الثامن ارتفعت نسبة مستخدمي السجائر الإلكترونية بينهم من 3.5 إلى 6 في المئة، وطلاب الصف العاشر من 8 إلى 16 في المئة، ويقدر أن عدد مستخدمي السجائر الإلكترونية في الولايات المتحدة من طلاب الصفين التاسع والعاشر، قد ازداد بمقدار 1.3 مليون مستخدم خلال عام واحد فقط. وهو ما دفع هيئة الأغذية والعقاقير الأميركية، في شهر نوفمبر الماضي، إلى الإعلان عن فرض قيود جديدة على مبيعات منتجات السجائر الإلكترونية، وخصوصاً تلك المنكّهة منها بنكهة بعض الفواكه.