يوجد حالياً أكثر من 68 مليون شخص حول العالم، هجروا قراهم، ومدنهم، ومجتمعاتهم، كنازحين، ولاجئين، ومهاجرين، منهم 25 مليون خارج بلدهم وموطنهم الأصلي، وهو الرقم الأكبر على الإطلاق منذ الحرب العالمية الثانية، حيث تشير التقديرات إلى أن 3 في المئة من أفراد الجنس البشري حالياً، إما لاجئين أو نازحين. هذه المأساة الإنسانية التي يعيشها عشرات الملايين من البشر، تظهر أن العالم الذي نعيش فيه أصبح عالماً أكثر اضطراباً وعنفاً، وأشد اضطهاداً للأقليات العرقية والدينية.
ورغم أن هؤلاء اللاجئين كانوا يتمتعون غالباً بصحة جيدة قبل نزوحهم من موطنهم، إلا أنهم يعانون خطر التعرض بشكل أكبر للأمراض المعدية المختلفة، وبالإصابات الجسدية الشديدة، خلال رحلتهم إلى جهتهم المنشودة، أو أثناء إقامتهم في بلد اللجوء، نتيجة سوء الظروف المعيشية، والتغيرات التي تطرأ على نمط وأسلوب حياتهم. هذه هي النتيجة النهائية التي خلص إليها تقرير صدر مؤخراً عن المنطقة الأوروبية، ضمن مناطق منظمة الصحة العالمية. وبنى هذا التقرير استنتاجه النهائي على أحدث الأدلة والبيانات عن صحة اللاجئين والمهاجرين، والمستخلصة من أكثر من 13 ألف وثيقة ودراسة مختلفة، وبالإضافة إلى ملخص لمجمل الجهود التي يبذلها عدد من الدول لتحسين مستوى الرعاية الصحية للاجئين المقيمين على أراضيهم.
وتنطلق هذه الجهود من كون الحق في الرعاية الصحية هو حق أساسي من الحقوق الإنسانية، كما أن توفير رعاية صحية جيدة للاجئين والمهاجرين، يحمي ويحافظ أيضاً على صحة السكان الأصليين، وعلى خلفية أن اللاجئين والمهاجرين يساهمون بشكل فاعل في اقتصاد الدول التي تستضيفهم، وفي تنمية وتطوير بلدهم الأصلي. ويمكن إدراك حجم مساهمة اللاجئين في الاقتصادات المحلية، من حقيقة أن 12 في المئة من القوى العاملة في دول المنطقة الأوروبية مثلًا، هم من المهاجرين، أما على صعيد المساهمة في تنمية اقتصادات موطنهم الأصلي، فيتم ذلك من خلال روافد عدة، ربما كان أهمها التحويلات المالية، والتي تشكل في الكثير من دول العالم مصدراً أساسياً للعملات الأجنبية، وربما المصدر الأول والأهم في بعض من هذه الدول.    
ورغم ذلك، يواجه اللاجئون والنازحون تحديات صحية خاصة، من أهمها صعوبة الحصول على الرعاية الصحية المناسبة، ولأسباب عدة، مثل وضعهم القانوني في بلد اللجوء، والعوائق اللغوية، والعنصرية والتمييز من السكان المحليين نتيجة مشاعر وأفكار سلبية تجاه المهاجرين. وأحياناً ما تتجاهل الاستراتيجيات الوطنية للرعاية الصحية في بعض الدول، متطلبات واحتياجات اللاجئين والمهاجرين، رغم وجود عشرات ومئات الآلاف، وربما الملايين منهم على أراضيها.
ومما يزيد الموقف سوءاً لعشرات الملايين من المهاجرين والنازحين، أن نظام الرعاية الصحية في الدول التي غادروها، متدني المستوى على أحسن التقديرات، إنْ لم يكن منهار تماماً، كما أنهم في خلال رحلة نزوحهم وهروبهم ظلوا يعيشون أسابيع وشهوراً في ظل ظروف صعبة، نتيجة انعدام الصرف الصحي، والاعتماد على مياه شرب ملوثة في أغلب الأوقات، وهي عوامل كلها تزيد من احتمالات إصابتهم بالعديد من الأمراض المعدية، سواء البكتيرية أو الفيروسية أو الطفيلية، بما في ذلك الأمراض التي يمكن تحقيق الوقاية منها في الظروف الاعتيادية من خلال التطعيمات الطبية الروتينية. وهو ما يجعل من الضروري توفير الحماية لهم من هذه الأمراض المعدية، وأن يكون أفراد الطاقم الطبي على دراية كاملة بالمتطلبات الصحية لهذه الفئات.
ويعتبر الأطفال غير المصاحبين لأهلهم وذويهم، من أكثر فئات اللاجئين والمهاجرين عرضة لمخاطر صحية واجتماعية خاصة، مثل الاغتصاب، والخطف، والاتجار في البشر، والاتجار في الأعضاء البشرية، والاستغلال الجنسي، والعمالة غير القانونية، وهي المخاطر التي تتفاقم إذا ما كانت النظم والتشريعات في بلد النزوح واهية، والقوانين غير مطبقة. فعلى عكس الاعتقاد الشائع والخاطئ، بأن الغالبية العظمى من المهاجرين والنازحين يقصدون الدول الغربية والأوروبية، وفي الواقع أن 85 في المئة منهم يتواجدون حالياً في دول نامية، يوصف الكثير منها بأنها دول منخفضة الدخل، أو متوسطة الدخل في أحسن الأحوال. وبالنظر إلى أعداد اللاجئين والنازحين حول العالم، والذي قارب على 70 مليون حالياً، وانتشارهم في جميع بقاع وأصقاع الأرض تقريباً، وبناء على خصوصية احتياجاتهم ومتطلباتهم من الرعاية الصحية، يصبح من الضروري التعامل مع هذه المشكلة من منظور قومي ودولي، يضع في اعتباره أنها مشكلة إنسانية عامة، إن لم تعالج بالشكل السليم، فستترك بصمتها على الوضع الصحي في الدول المستضيفة، وعلى تكلفة وكفاءة نظام الرعاية الصحية في هذه الدول.