ولادة طفل خارج مؤسسة الزواج تعني لقاء محرّماً ومجرّماً بين ذكر وأنثى. وتنتهي مسؤولية الذكر عند حدّ العقاب الجنائي، أما الأنثى، ففضلاً عن العقاب الذي ينتظرها لو كان اللقاء برضاها، فإنها تتحمّل وحدها مسؤولية الطفل، كما أن تخلّصها منه بالإجهاض قبل أوان ولادته، أو بتركه في الشارع بعد ولادته، جريمة أخرى مستقلة حتى لو كان ثمرة فعلٍ وقع عليها بالإكراه.
ويفلت الأب البيولوجي من تحمّل أي مسؤولية عن الطفل لأنه لا يُنسب إليه شرعاً، ومن ثم لا تجب عليه نفقات مسكنه ومأكله ومشربه وملبسه وتعليمه وعلاجه، فأبوّته له معدومة تماماً. وفي المقابل، يُنسب الطفل لأمه، وتكون المكلّفة بسائر نفقاته. ورغم أن بعضهم أجاز أن يستلحق الأب البيولوجي ابنه، فالاستلحاق يكون بعد الزواج، فإذا امتنع هو أو رفضت هي، أو كانت زوجةً لآخر، أو كان هناك مانع شرعي آخر، فلا زواج ولا استلحاق.
وإذا كان هناك ما يحول شرعاً دون نسبة الطفل لوالده البيولوجي، فلا شيء يمنع من إلزامه بتحمّل نفقاته، لا بعنوان الأبوّة، وإنما من باب المشاركة في تحمّل مسؤولية فعله، إلى أن ينهي الطفل تعليمه ويبدأ في الكسب. فمن شأن الإلزام تشجيعه على الزواج بالأم في حال قبولها وعدم وجود مانع، وتجدّد الأمل في تصحيح نسب الطفل بالاستلحاق.
ومن المهم الأخذ بعين الاعتبار أن الطفل قد يكون ثمرة لصورة من عدة عدة صور لعلاقات التراضي أو حالات الإكراه. ولعلّ الحالة الوحيدة التي لا تثور فيها مشكلة هذا الطفل هي الحالة التي يكون فيها ثمرة علاقة بالرضا بين أجنبيين، إذ يُبعدان معاً.
وأعتقد أنه يمكن فعل شيء لهذا الطفل من خلال تنظيم مسألة الاستلحاق، وإعطاء الأم الحق في المطالبة بإلزام الأب البيولوجي بتحمّل نفقاته الشهرية، وفتح المجال أمامها للمطالبة بالتعويض المادي الذي يغطي كافة نفقاته إلى أن يكبر، وذلك في الحالات التي يُحكم فيها بالإبعاد على الأب فقط.

القضية لا تكمن في عقاب مَن يمارس العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، بل في الطفل الذي وُلد في تلك الظروف، والعمل على حفظ نسبه ما أمكن بالاستلحاق، أو ضمان تمتعه بعيشٍ كريم بالإنفاق عليه ممن أنجبه، أو بقبول تسليمه لجهة ترعاه.