توقيف «مايكل كالفي»، وهو مواطن أميركي وأحد كبار المستثمرين الخواص في روسيا، يبعث برسالتين إلى المستثمرين الأجانب: الأولى هي أن قوانين غابة المال والأعمال الروسية تنطبق حتى على من يفعلون الأشياء على أصولها، أما الثانية، فهي أن لا الجنسية الأجنبية ولا السجل الناصع في الاستثمارات يمكن أن يكون سبباً للاستثناء. ويبدو أن الكريملن سعيد بالتشديد على الرسالتين.
«كالفي» أسس شركة «بارينج فوستوك كابيتال بارتنرز» في 1994. ومن بين أبرز استثماراتها «يانديكس»، محرك البحث الأكثر شعبية في روسيا. شركة الأسهم الخاصة دفعت 5.3 مليون دولار من أجل 36 في المئة من أسهمها في عام 2000، حصة قدّرت قيمتها بنحو 2.9 مليار دولار في 2011.
«كالفي» أصبح أسطورة في السوق الروسية، بسبب ما عرف عنه من ابتعاده عن أي نوع من الأعمال المنافية للقانون وتركيزه على القطاعات والشركات التي من غير المحتمل أن تلفت انتباه السلطات الروسية. هذه الاستراتيجية ساعدته على النجاة لربع قرن – ولكن استثماراً واحداً أوصله إلى السجن الأسبوع الماضي، ففي السبت الماضي، وضعته محكمة في موسكو تحت الاعتقال بتهم الاحتيال حتى 13 أبريل.
الاستثمار في بنك «أوريانت إكسبريس» بدا فكرة جيدة عندما قامت به شركة «بارينج فوستوك» في 2010. ذلك أن البنك كان لاعباً كبيراً في قروض الاستهلاك، التي كانت تمثل قطاعاً متنامياً في روسيا عقب الأزمة المالية العالمية. غير أن «أوريانت إكسبريس» سرعان ما تحولت إلى صداع رأس مع تنامي «الديون السيئة». ونتيجة لذلك، اضطرت «بارينغ فوستوك» إلى ضخ رأسمال إضافي في البنك عدة مرات قبل دمجه مع بنك «يونيأستروم»، وهو بنك إقراض آخر تراجع بسبب الظروف الصعبة في 2016.
كانت الخطة تقضي بتوسيع الشركة، ولكن شراكة «كالفي» مع مالك «يونيأستروم»، «أرتم أفيتيسيان»، سرعان ما تدهورت. وكان «كالفي» قد اتهم «أفيتيسيان» بتجريد «يونيأستروم» من أصولها قبل عملية الاندماج ورفع دعوى ضده في محكمة في لندن. ويوم السبت الماضي، قال «كالفي» إنه لا بد من عملية رأسملة إضافية من أجل الحفاظ على سيولة البنك المالية، خطوة قاومها «أفيتيسيان»، الذي يعارض الاستثمار أكثر مثلما يعارض رؤية حصته في البنك تتقلص.
«أفيتيسيان» لم يعلّق على اتهامات «كالفي»، ولكن حليفه «شيرزود يوزوبوف»، هو الذي رفع الشكوى الجنائية التي أفضت إلى توقيف «كالفي». ويُتهم المستثمر الأميركي بتضخيم قيمة شركة قامت «بارينج فوستوك» بتحويلها إلى «فوستوكني إكسبريس» من أجل تسديد دين شركة استثمار أخرى.
قطاع المال والأعمال الروسي صُدم بعملية التوقيف بالنظر إلى الحذر الذي اشتهر به «كالفي»، وجنسيته الأميركية، وقدرته على جمع مبالغ كبيرة من رأس المال من مستثمرين غربيين كبار ما كانوا ليستثمروا في روسيا. ولكن أياً من هذا لا يشفع لصاحبه ولا يوفر له الحماية في روسيا هذه الأيام.
وتعليقاً على هذا التوقيف، غرّد في عطلة نهاية الأسبوع السياسي الروسي المعارض «أليكسي نافالني»، الذي يقول إنه وُضع تحت الاعتقال مراراً من قبل القاضي نفسه الذي أرسل «كالفي» وراء القضبان، قائلًا : «ربما ظن الشباب في"بارينغ فوستوك"أن"هذا لن يحدث لي، فالأمر يتعلق بالتجارة، وليس بالسياسة". لستُ بصدد التشفي ولكن من المهم أن نفهم أن الجميع وكل شيء يتعلق بالسياسة الآن».
علاقات روسيا الباردة مع الولايات المتحدة أدت إلى بعض عمليات التوقيف البارزة في كلا البلدين (مارينا بوتينا، بول ويلان). وفي مثل هذا الوضع، لا شك أن الحكومة الروسية لا تمانع في البعث برسالة مفادها أن المواطنين الأميركيين لن يتمتعوا بوضع خاص في روسيا. أما فيما يتعلق بالاستثمار الغربي، فإن الكريملن يدرك أنه صمد تحت العقوبات الأميركية المشددة. وبغض النظر عما سيحدث لكالفي، إلا أنه من المستبعد أن يجعل الأمور أسوأ. فقد انخفضت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في روسيا إلى 2.4 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من 2018 مقارنة مع 25.8 مليار في الفترة نفسها من 2017.
دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئيس فلاديمير بوتين قال عن توقيف «كالفي»: «نأمل ألا يؤثر هذا على مناخ الاستثمار بأي طريقة من الطرق»، مضيفاً«أن الأجهزة الأمنية في أي بلد تعمل على حماية القانون، ومثل هذا الشيء يمكن أن يحدث في أي بلد ولأي رائد أعمال». ومن الواضح أن الكريملن قرر ألا يتدخل لمصلحة «كالفي»، على الأقل بشكل فوري. وقد كان لديه الكثير من الوقت للقيام بذلك: ذلك أن مؤسس «بارينج ستوك» اعتُقل يوم الجمعة الماضي ولكنه لم يقابل القاضي إلا في اليوم التالي.
وهذا ليس مفاجئاً في الواقع: فعندما يتحدث بوتين عن الحاجة إلى تقدم اقتصادي وتكنولوجي، فإنه لا يعلّق آماله على رواد أعمال، أجانب كانوا أو روساً، وإنما على الشركات العملاقة التابعة للدولة التي راكمت موارد ضخمة تحت حكمه. والاستثمارات المباشرة أيضاً يفترض أن تأتي من صناديق مملوكة للدولة، وليس من غربيين مستعدين لائتمان شخص مثل «كالفي» على أموالهم.
والحاصل أن مستقبل «كالفي» يتوقف، على الأرجح، على قدرته على حل النزاع مع شركائه التجاريين في «أوريانت إكسبريس». ومن المستبعد أن يساعده الكريملن – على الرغم من كل ما فعله للمساعدة على بناء الاقتصاد الروسي.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»