مما يميز دول الخليج العربي موقعها الاستراتيجي بالغ الأهمية، فهي تقع على الخليج العربي والبحر الأحمر، وتتصل بمضيقين ملاحيين استراتيجية دوليين، مضيق هرمز ومضيق باب المندب، وبها 60 في المئة من نفط العالم، وعلى جوار بقوى إقليمية ذات أهمية تاريخية، مثل اليمن وشرق أفريقيا والعراق وإيران.
وفي كتابه القيم «الحداثة والتحديث في دول الخليج العربية منذ منتصف القرن العشرين»، والذي تحدثنا عنه في مقالنا السابق، يذكر أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة الكويت الدكتور عبد الملك خلف التميمي أنّ هناك عاملين أسهما في إعادة ترتيب المجتمع التقليدي في المنطقة، هما النفط والتعليم الحديث. فقد أحدثت عائدات النفط طفرة سريعة وفي فترة زمنية قصيرة وقياسية، وكانت النتيجة تحديثاً لا يخلو من عشوائية في بعض الأحيان. وفي منتصف السبعينيات حدثت ثورة نوعية في بعض دول المنظمة، وهي تأميم النفط لتغيير العلاقة بين الشركات النفطية وبترول المنطقة على كل المستويات.
وكان التعليم على رأس النهضة المعاصرة في دولة الخليج العربية، والمشكلة أن هذا التعليم أصبح كمياً وليس نوعياً، أي أنه يسد حاجة السوق فقط. وقد ازداد المتعلمون وأُرسلت البعثات إلى الخارج، وكان للمبتعثين دورهم الرائد في التحديث.
كما أحدث التقدم التكنولوجي ثورةً في التحديث. وبرغم أن الحداثة (الجانب الفكري) كانت مصاحبة للتحديث، فإنها لم تكن بالمستوى الذي كان عليه التحديث، وذلك بحكم التحولات الاقتصادية الكبيرة والسريعة والمفاجئة.
ويلخص الدكتور التميمي أهم المشتركات التي تجمع تجارب دول الخليج العربية في مجال الحداثة والتحديث، في نقاط أبرزها:
1- أنها غيرت الواقع الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة، وذلك بفصل عائدات النفط، فيما كانت الحداثة الفكرية والثقافية أقل حظاً.
2- التطورات الهائلة التي حدثت في المنطقة، معظمها لم يحدث في إطار مشروع استراتيجي كبير ومتكامل أو ضمن رؤية ثقافية وحضارية واجتماعية متماسكة.
3- التطور الثقافي والفكري لم يسبق التحديث أو يواكبه، بل كان لاحقاً عليه، فيما عدا استثناءات محدودة.
4- التطورات في مجال التعليم في دول الخليج العربية كانت كمية في الغالب لا نوعيةً في الأساس، أي أنها جاءت لسد حاجات سوق العمل فقط.
5- أن ما شهدته المنطقة خلال عصر النفط، لم يكن في معظمه حداثة، بل كان واقعاً ونهجاً مغايرين فرضتهما الحقبة النفطية.
6- يعتبر التراث منبعاً ثقافياً مهماً، والنظرة إليه يجب أن تكون نقدية، وهو ما لم يحدث في ظل التحديث القائم.
7- حجم دول الخليج العربية يتطلب تقوية الصلات بينها، وصولاً إلى تكاملها وتنميتها وحداثتها.
8- الفراغ السياسي في المنطقة أدى دوراً سلبياً وإيجابياً في آن معاً، وقد تمثل السلبي في المهددات الإقليمية، أما الإيجابي فكان التحرك لملء الفراغ، وأبرز نموذج لذلك هو قيام مجلس التعاون الخليجي نفسه.
9- مشكلة الخلل في التركيبة السكانية التي تؤرق دول الخليج العربي جميعها.
ويقدم الدكتور التميمي بعض الاقتراحات التي يكون لها دور فاعل في ربط دول الخليج مع بعضها بعضاً كرؤية استراتيجية مشتركة بين الجميع، منها: إيجاد سوق خليجية مشتركة، ووضع مناهج دراسية موحدة، وإقامة مؤسسات مشتركة للمجتمع المدني الخليجي.