استقبلت تركيا عدداً ضخماً من اللاجئين السوريين، فالحرب الأهلية التي اندلعت قبل ثمان سنوات أرثت جروحاً عميقة مستمرة النزيف، فما يزيد على نصف مليون قضوا نحبهم، واثنا عشر مليوناً أصبحوا مشردين، وجميع السوريين فقدوا مصادر عيشهم المعتادة. من بين المهجرين بات أكثر من ستة ملايين نازحين في الداخل، وستة ملايين أخرى لاجئين في الخارج. ونتيجة لوجود حدود برية طويلة تقارب الألف كيلومتر بين سوريا وتركيا أصبحت تركيا هي الدولة الأكثر استقبالاً للاجئين السوريين.
عندما بدأت المشكلة السورية رفضت تركيا تلقي الدعم من المجتمع الدولي، وقامت ببناء مخيمات مؤقتة هي حوالي 25 مخيماً على طول الحدود ولم يضم أياً من هذه المخيمات أكثر من عشرة آلاف نسمة. وأنشأت المخيمات وكأنها بلدات صغيرة زود كل واحد منها بخدمات صحية وتعليمية وبمعظم الاحتياجات والخدمات الأساسية التي يحتاجها البشر في الأحوال الاعتيادية. والأكثر أهمية في ذلك هو أنه على غير العادة في مخيمات إيواء اللاجئين يستطيع الناس الخروج من المخيمات والعودة إليها يومياً وكما يشاؤون إلى درجة أنهم يستطيعون المغادرة لثلاثة أسابيع متصلة ثم العودة.
بدأت استجابة تركيا لتدفق اللاجئين السوريين في أبريل 2011، وما بين عامي 2011 و2014 كانت الاستجابة تركز على تقديم المساعدات الإنسانية والسماح لسياسة الباب المفتوح للحدود مع سوريا بالاستمرار. لكن مع مرور الوقت صارت المشكلة تشكل عبئاً على الدولة والإنسان التركي، فكان محتماً على تركيا إيجاد نظام قانوني جديد خاص باللاجئين السوريين وحدهم. القانون المسمى ب« قانون الأجانب والحماية الدولية» تم تمريره في أبريل 2013 وأوجد الأرضية القانونية لوضع«الحماية المؤقتة» الذي منح لجميع اللاجئين السوريين. ووفقاً لذلك بات متوفراً لهم مداخل إلى الرعاية الصحية والتعليم أسوة بالمواطنين الأتراك، وإلى مساعدات مالية، ومداخل إلى سوق العمل الرسمي، وفوق كل ذلك إمكانية الحصول على حق المواطنة التركية وفقاً لشروط محددة.
لذلك يمكن القول بأنه على العالم والبشرية جمعاء أن تتذكر بأن معظم اللاجئين السوريين تم تهجيرهم عنوةً وقسراً بسبب الحرب الأهلية والصراع المسلح الذي دمر أماكن سكناهم وقضى على مدن بأكملها. بالنسبة للعديد من السوريين توقيت عودتهم إلى بلادهم سيتم تحديده من قبل عملية الانتقال من حالة الحرب إلى حالة السلام، أو على أقل تقدير من قبل وقف حقيقي لإطلاق النار.
لذلك فإن السؤال المتعلق بالوضع السوري العام مستقبلاً ربما يكون مهماً ومستمراً في شغل بال صناع السياسة واتخاذ القرار على مستوى العالم، لكنه بالنسبة لهؤلاء المنكوبين الذين تشتتوا في شتى أصقاع الأرض يشكل عنصراً ثانوياً جداً في القرارات التي ستتخذها الأسر السورية المهجرة بشأن تحديد الوقت المناسب للعودة إلى الديار. وربما أنه بالنسبة للبعض منهم قراراً لن يتخذ مطلقاً في ظل الظروف الراهنة.
*كاتب إماراتي