في واحدة من أعنف الهجمات الإرهابية في منطقة «بولفاما» بالجانب الهندي من كشمير، تعرضت قافلة مكونة من 78 سيارة تحمل 2500 من قوات الشرطة الاحتياطية المركزية فجأة لهجوم انتحاري، وهو ما أسفر عن مقتل أكثر من 40 جندياً هندياً فوراً.
والمفجر الهندي الذي تم تحديد هويته باسم «عادل أحمد دار» هو شاب كشميري يبلغ من العمر 19 عاماً، وقد انضم بحسب السلطات الهندية إلى جماعة «جيش محمد» العام الماضي. وهذه المنظمة المسلحة أسسها «مولانا مسعود أزهر»، وهو رجل دين باكستاني مطلوب بتهمة الإرهاب في الهند. وتتهمه نيودلهي بأنه العقل المدبر لعدد من الهجمات الإرهابية، بما في ذلك هجوم عام 2001 على البرلمان الهندي. ويحتمي الرجل في باكستان، وشوهد في مناسبات عدّة يتحرك بحرية.
وقد فاقم الحادث من التوترات بين الجارتين النوويتين، خصوصاً مع ضغوط هائلة على رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» باتخاذ إجراء قوي قبيل الانتخابات خلال الأشهر المقبلة. وبالطبع، كان تحذير الهند بالردّ على باكستان، شديد اللهجة، ونفت إسلام آباد وجود أي يد لها في الهجوم. وأعلنت الهند تجريد باكستان من وضع «الدولة المفضلة»، وقررت أيضاً رفع الرسوم الجمركية إلى 200 في المئة على كافة البضائع المستوردة من باكستان. لكن من المتوقع أن يكون لذلك تأثير محدود على باكستان، نظراً لأن التجارة بين البلدين ضعيفة بالفعل نتيجة توترات العلاقات باستمرار بينهما خلال السنوات الأخيرة.
وتعتبر كشمير قلب الصراع بين الهند وباكستان خلال السنوات السبعين الماضية، وتشهد نشاطاً مسلحاً متزايداً من قبل عدد من الجماعات الكشميرية المتمردة منذ تسعينيات القرن الماضي.
وهناك بعض الجماعات التي تريد استقلالاً كاملاً لكشمير، بينما تسعى بعض الجماعات الأخرى إلى ضم كشمير إلى باكستان. وتتهم الهند الجيش ووكالات الاستخبارات في باكستان بتدريب وتسهيل تسلل مسلحين إلى الجانب الخاضع لسيطرة الهند من كشمير، وهذا ما تنفيه باكستان وتلقي باللوم على أكثر من نصف مليون من قوات الأمن الهندية المنتشرة في كشمير مع قوات خاصة، بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين.
ولم تصدم سهولة قيام مفجر انتحاري بتنفيذ هجوم مفاجئ الدولة الهندية فحسب، ولكنها أثارت أيضاً عدداً من الأسئلة المشروعة. لعل أهم هذه الأسئلة هو كيف تمكن المفجر الانتحاري من الحصول على تلك الكمية الضخمة من المتفجرات؟ وكيف تنتقل مثل هذه القافلة الكبيرة من الحافلات التي تحمل عدداً كبيراً من الجنود من دون احتياطات أمنية ملائمة في منطقة بها حركة تمرّد؟ ويشي ذلك بوجود خلل استخباراتي وأخطاء من جانب الوكالات الأخرى المعنية.
وعلى رغم من أن الدول كافة، بما فيها الصين، قد أدانت الهجوم، لكن من المستبعد أن تغير سياساتها الخارجية تجاه باكستان، وهو ما ترغب الهند في مشاهدته. ويرجع ذلك إلى أن رئيس الوزراء الباكستاني المنتخب حديثاً عمران خان، سعى بنشاط منذ انتخابه قبل ستة أشهر، إلى تحسين السياسة الخارجية لبلاده. ومع تحول ميزان القوة في أفغانستان في ظل الانسحاب الأميركي، تلعب إسلام آباد دوراً مهماً في حمل حركة «طالبان» على الجلوس إلى مائدة المفاوضات من أجل ضمان إرساء السلام في البلد الذي مزقته الحرب، والاستقرار في أرجاء المنطقة.
وفي ضوء ذلك، لا توجد أمام الهند سوى خيارات محدودة عندما يتعلق الأمر بباكستان. ومن المتوقع ألا تُسفر جهود الهند الدبلوماسية لعزل باكستان سوى عن نتائج محدودة. فمن جانبها لا يمكن للولايات المتحدة أن تتحمل اتخاذ موقف متشدد تجاه إسلام آباد، لأنه في هذا المنعطف الراهن، تُشكل باكستان أهمية محورية للخطط الأميركية الرامية إلى الانسحاب من أفغانستان. ولدى باكستان روابط بـ"طالبان" الأفغانية، التي تُشكّل أهمية في محادثات السلام الدائرة، بيد أن الخيار الآخر الذي يمكن للهند دراسته هو تطبيق عقوبات مالية واقتصادية على باكستان، لكن سيتطلب الأمر موافقة دولية على ذلك. وأما الخيار الأخير وهو أيضاً مستبعد فهو شنّ حرب محدودة، ذلك أن كلتا الدولتين لديهما قدرات نووية، وأي مغامرة غير محسوبة من أي جانب ستكون كارثية. وعلى رغم من أن رئيس الوزراء ناريندرا مودي أعلن أن قوات الأمن لديها الحرية الكاملة للتحرك، فلا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الهند ستمضي قدماً في تنفيذ أية ضربة عسكرية محدودة أم لا.
وفي هذه الأثناء، سيعتمد كذلك أي ردّ تتخذه الحكومة الهندية على الهجوم الإرهابي على مدى تأثيره على الانتخابات العاملة المرتقبة في الهند، والتي ستعقد في غضون ثلاثة أشهر، في ظل أجواء سياسية مشحونة بالفعل. لذا، ستحاول الحكومة معرفة ما إذا كان أي تحرك عسكري سيكون له تداعيات على نتائج الانتخابات. فإذا قامت الحكومة بأي تحرك عسكري كبير، ولم يجد نفعاً، ستجد حكومة «مودي» نفسها في وضع من الصعب تبريره أمام جماهير الناخبين.
ولا ريب أن هناك غضباً بسبب مقتل الجنود بين أفراد الشعب. لكن الحكمة تقتضي التعامل مع قضية الإرهاب والحركات المسلحة من خلال محادثات مفتوحة مع الأطراف والمنظمات المعتدلة في إقليم كشمير لبث الأمل فيها، بدلاً من اتباع سياسة العين بالعين. ومثل هذا الخيار سيتمخض ليس فقط عن زيادة العنف ولكن أيضاً عن قتل مزيد من الأبرياء.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي