منذ ثلاثة عقود على الأقل يجري توجيه المتفوقين من المجندين في إسرائيل (للعمل في وحدة المخابرات 8200 بحيث يتعلمون تطوير الأسلحة الرقمية وبرمجيات القرصنة الإلكترونية) بعدها يتبوأ خريجو هذه الوحدة (مناصب عليا في شركات المراقبة والتجسس بوصفهم أدمغة أمنية عالمية) ومنهم متخصصون في جمع المعلومات الحسَّاسة من شبكات التواصل الاجتماعي العربية وتحليلها والاستفادة من نتائجها. وأمر كهذا متوقع ولا يحتاج اجتهاداً أو تحليلاً، فالتعاون الأميركي - الإسرائيلي في مجال الرقميات أو العالم «السيبراني»، سيمكن غير المتمكن من الوصول إلى العمق التقني والذهاب بالمعرفة العلمية إلى حدود بؤرة الأسرار والأزرار كما يقولون. لكن إن كان هنالك من مشكلات ومصائب بالمعنى الكارثي، في المرحلة الزمنية المقبلة، فسيكون وراءها الشركات الخمس الكبار التي يطلق عليها اختصاراً (غافام)، وهي التي أصبحت تشكل كتلة مالية تقدر بـ4 تريليونات دولار كقيمة اسمية في البورصة.
فما هي تلك الشركات الخمس التي تأسست في الربع الأخير من القرن الماضي، وتطورت في العقدين الأولين من القرن الحالي الـ21؟ إنها ببساطة الشركات الأميركية الخمس (جوجل وآبل وفيسبوك وأمازون ومايكروسوفت). هذه هي الشركات التي مهمتها ستكون قولبة العالم، أو قلبه رأساً على عقب إن دعت الضرورة، للسيطرة عليه. وعلى قدر سعادة الإنسان بالمنتجات فهو يجهل خطورتها على حياته في جانبها الأكثر سرية، يُشاركه في ذلك على الكوكب أمم وشعوب وحكومات باتت لا تستطيع مهما حاولت الخروج من البيوت العنكبوتية التي ضربتها حولهم، مما دفع جريدة (ليبراسيون - 1973) لوصف هذه الشركات بـ(الشريرة). ولقبتها بـ(نقابة الجريمة الرقمية المنظمة) كونها تشكل (خطراً كبيراً على الديمقراطية والحريات العامة الفردية في العالم، ولنشرها أخباراً ملفقة وبث شائعات مغرضة متى شاءت في أي بلد من بلدان العالم وبلغة أهل البلد). فحتى أفريقيا الحالمة رغم الفساد بالكهرباء والطرق المعبدة، والتي لم تصلها بعد التقنية الرقمية بكم كافٍ، شعرت بأن ثمة شيئاً غير مريح يحدث تحت أقدامها، فمجلة (ينغ أفريك - أفريقيا الشابة) نشرت مقالاً عن الخمس الكبار قالت فيه إنها (باتت تستحوذ على البيانات الشخصية لجميع مستخدميها وميولهم وسلوكياتهم في كل ما يتعلق بحياتهم العامة والخاصة)، فضلاً عن التهرب الضريبي الذي تستفيد منه هذه الشركات. في الفضاء الرقمي أو السيبراني، إضافة إلى أميركا وأوروبا وروسيا وربما الصين، القابضة على المال والسلطة والإعلام، إسرائيل وحدها فهمت باكراً لعبة حرب المعلومات الكبرى (Big Data)، بل باتت تبيع منتجاتها بأغلى الأسعار خصوصاً البرمجيات المتطورة الشاملة لبرامج التجسس التي يطلق عليها (NSO) لمحاربة الإرهاب! أما الأنظمة الشمولية في العالم الثالث فتستخدم هذه البرامج (لتعقب المعارضين والتخلص منهم)، نظراً لكلفة عملية التجسس على (الروح) الواحدة فهي تساوي 25 ألف دولار فقط.