خوف شديد وغير عقلاني من كائن معين، أو وضع معين، أو بيئة معينة، وفي هذه الألفاظ يمكننا تقديم أقل وصف عن ما يسمى مرض أو متلازمة «الفوبيا»، ولربما كان المصاب بتبعاتها سواء المتعلقة منها بالأماكن المرتفعة، أو الضيقة أو الأمراض أو حتى أماكن الازدحام محظوظاً فأسباب الإصابة والتشخيص والعلاج باتت معروفة، و«فوبيته» كابد وزرها وحده. أما ما ظهر مؤخراً مما يدعى «الدينوفوبيا»، وأقصد الرهاب من الدين أو المعتقد، فهو مرض مزمن مهمته تماماً كالمستعمر، من حيث إحلال ظلمه، وضبابيته التي لا تميز أبيض من أسود، بل حتى أننا نتوق للقضاء عليه دون الإمعان بوسائل علاجه، فهذه الأرض ما عادت تحمل سعة أكثر للظلم أو الكراهية، وبخاصة بعد ما يشهده من عنكبوتية جنونية السرعة، تتخذ من منصات الإعلام الشخصية «منصات التواصل الاجتماعي»، ذراعاً لها.

تصنّف الفوبيا ضمن اضطرابات القلق، ولكنها إذا ألصقت بمعتقدات وأديان الشعوب، تحولت إلى اضطراب مزمن من نوع آخر، يحمل ثقله الصغير قبل الكبير، ويتحمل توابع أرقه مستقبل وضع تحت وطأة الجور اللامنطقي، إذ اندثر مندفعاً من عقول اللامعقول ومن بصر بلا بصيرة، فحين يُعتقد بأنّ الرهاب علامة للاستجابة العاطفيّة، أصنف «رهاب الأديان»، بأنه استجابة لاختلالٍ في الإنسانية.
إن العالم اليوم يقف أمام عدوٌ واحدٍ جلل، لا يستوجب أن نقول يستوجب، بل الاتفاق لتلاحم الإرادة وتأكيدها بإنجازات تُعاش قبل أن تُسمع، لننتقل من الفكر وملازمة «سوف»، إلى التحليق بنتائج اشتغل على زخرفتها أصحاب الإرادة القويمة والفطرة السليمة، صفعاً دونما تردد على جبين الجهل عله يستفيق، وهو الذي يلهث جاهداً لنشر خطاب الكراهية والتطرف والتكفير من خلال شراء ذمم بعض «المتأعلمين» على منصات الإعلام، والمثقفين ودعاة السوء، بعدما باءت خطط الفوضوية بالفشل.
وللأسف، ينتشر هذا التغلغل الخانق لمعايير المحبة والتسامح والوئام، كالخلايا السرطانية في ذرات «أوكسجين» الأجيال الجديدة الحالي «الشبكة العنكبوتية»، ولذا كان لزاماً اتخاذ ما تفضل به العلّامة المجدد الشيخ عبد الله بن بيه – رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة – في «المؤتمر الوزاري الإقليمي الأول لتعزيز الحرية الدينية ودور التعليم والتسامح الديني في مكافحة الفكر المتطرف» والمنعقد في أبوظبي يومي 24 و25 فبراير 2019، خلال مطالبته بصناعة رواية بديلة داحضة للمحتويات المشبعة بخطاب الكراهية وإحلال رواية التسامح والمحبة بدلاً منها، فنحن بحاجة حقيقية لوضع الانتماء الديني في طريقه الذي عُبِّد له، حيث وجدت الديانات لتكون منبعاً لإرساء قيم التعايش وبث أريج المحبة والوئام، ويكون الدين والمعتقد «طاقة» دافعة لا «مُهدرة».
وبالفعل قدمت دولة الإمارات مهنداً قاطعاً لرؤوس الفتنة، وأنموذجاً يحتذى به من خلال «قانون مكافحة التمييز والكراهية»، والذي ينص على تجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها ومكافحة كافة أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير، وبهذا القانون والإعلان فإن دولة الإمارات حاربت شتى أنواع خطابات الكراهية، جاعلةً من مؤسساتها ومنابرها الإعلامية ومساجدها عماداً لنشر عبق التسامح وقبول الآخر بل ومحبته والنظر إليه من باب الشراكة والمسؤولية الإنسانية العالمية، لتنهض بالأفراد مانحةً إياهم مواطنة ناضجة في ظل حقوق مؤدية على أكمل وجه، ليجعل «الإنسانية» تزهو بحلة فاتنة، يسعى كل من عايشها لأن يصبح جزءاً من منظومتها القائمة على معاني الخير بعيداً عن وباء الفوبيا والقلق المخلوق من العدم، سامياً في رحابة الأديان.
حين برز مفهوم «الإسلاموفوبيا»، وشاع بين المجتمعات، كان مبنياً على باطل، وعلى صورة نمطية ساذجة خلقتها الطبيعة البشرية المفتقدة للكمال، وهذا ليس عاراً أو خطيئة، ولكن الكارِثة إذا ثبتنا على حالة التقوقع دونما سعي جاد للنهوض بأنفسنا أولاً ثم المجتمع الذي نمثل لبنة أساسية به، ومن ذلك الفهم المغلوط والصورة الملصقة عنوة بكيان الدين الإسلامي القائم على الرحمة والسلام، استبدت قوة الظلام لتلصق فوبيا ليست بعدها فوبيا بالأديان دون تفريق، لنرد عليها بأقرب وقت مضى بتعزيز وتأصيل وتدعيم إعلان «بوتوماك» الصادر عن المؤتمر الوزاري لتعزيز الحرية الدينية الذي عقد في واشنطن، خلال الفترة من24 إلى 26 يونيو 2018، معتبراً أن «الدفاع عن حرية الدين أو المعتقد هو مسؤولية جماعية للمجتمع العالمي، فالحرية الدينية ضرورية لتحقيق السلام والاستقرار داخل كلّ دولة وفيما بين الدول»، ولن نجد أرقى من رد القرآن الكريم وتأكيده على ذلك حين قال الله جل في علاه: «لكم دينكم ولي دين»، بلا نعت موصوف، فمن تكون أي جهة ضالة أخرى لنقيم لها قائمة بعد كلام الخالق عز وجل؟!