قريباً سيسدل الستار على عامين من بدء الأزمة الخليجية، والتي تمثلت في مقاطعة ثلاث من دول مجلس التعاون، إضافة إلى مصر لقطر، وذلك دون أن تلوح في الأفق أية مؤشرات على أن هذه الأزمة في طريقها للحل لأسباب عديدة يمكن إيجاد بعض التفسيرات لها، من خلال السياسات الاقتصادية الدولية التي تتبعها الدول الأربع من جهة، وقطر من جهة أخرى. خلال عامين تقريباً خطت دول المقاطعة خطوات تنموية كبيرة على المستويين الداخلي والخارجي، فدولة الإمارات أعلنت عن تنفيذ مشاريع مهمة في عدة مجالات، كالطاقة المتجددة والنقل، كما عقدت شراكات اقتصادية استراتيجية مع بعض البلدان، كالهند وكوريا الجنوبية، التي توجت بالزيارة الحالية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لكوريا الجنوبية، وتوقيع عدد من اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية في قطاعات مهمة، كما يتابع العالم الإصلاحات والتطورات السريعة في السعودية ومشاريعها العملاقة، والتي بدأت ترى النور والمزاج الاجتماعي العام الذي شكل دافعاً قوياً للعمل والإبداع، كما تمخض عن الجولة الآسيوية الأخيرة لولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان شراكات دائمة مع باكستان، وتنفيذ مشاريع بأكثر من 20 مليار دولار، بما فيها معمل لتكرير النفط بتكلفة 10 مليارات دولار، ومشاريع مماثلة في الهند بقيمة 100 مليار دولار، إضافة إلى توقيع 35 اتفاقية تعاون مع الصين بقيمة 28 مليار دولار، ما سيعود بالنفع على هذه الأطراف ويساهم في تنميتها وتوفير ملايين فرص العمل.
وفي البحرين تكثفت الجهود لتنمية مصادر الطاقة، حيث من المقرر البدء هذا العام في إنتاج الغاز الصخري المكتشف حديثاً، ما سيشكل نقلة نوعية للاقتصاد البحريني، في الوقت الذي بدأت فيه مصر الحصول على عائدات كبيرة من استثمارات الغاز، واستكملت العديد من المشاريع الخاصة بالعاصمة الإدارية الجديدة، وذلك رغم العمليات الإرهابية والهادفة إلى تقويض الأمن والاستقرار هناك.
في المقابل، أنففت قطر مئات المليارات على حملات التحريض وتشويه الحقائق، بما فيها توقيع عقود تسلح بقيمة 75 مليار دولار لا تتناسب والقدرات البشرية القطرية لتشغيل وإدارة هذه المعدات العسكرية، كما أن حملات التضليل الإعلامية، وبالأخص من خلال قناة «الجزيرة» جاءت بنتائج عكسية تماماً، حيث يتضح ذلك من خلال استقبالات الترحيب الرسمية والشعبية التي يحضها بها قادة الدول الأربع أثناء جولاتهم الخارجية وما يرافقها من كسر للبروتوكول للتعبير عن الاحترام للقادة، مما يعني أن المبالغ الطائلة التي أنففت على حملات العلاقات العامة من قبل قطر لتشويه سمعة دول المقاطعة، والتي كان يمكن تسخيرها لتنمية الاقتصاد القطري ذهبت سدى واستفادت منها العديد من المؤسسات والأفراد الذين يتحينون انتهاز مثل هذه الفرص لتحقيق مكاسب من دول لا تحسن استغلال مواردها المالية.
لا شك ساهمت قطر في مساعدة بعض الدول التي وقفت إلى جانبها في هذه الأزمة، فبالإضافة إلى مشتريات الأسلحة الكبيرة، والتي جاءت على حساب مشاريع تنموية كان بالإمكان أن تضيف الكثير لمسيرة التنمية هناك، فقد قدمت قطر مبلغ 15 مليار دولار لدعم الليرة التركية، مقابل وجود عسكري تركي في الدوحة، إضافة إلى تنمية التبادل التجاري مع إيران، حيث يتسم هذا التعاون بطابع مؤقت ناجم عن الأزمة الخليجية، وذلك على العكس من البعد التنموي الاستراتيجي الذي يميز تعاون دول المقاطعة مع البلدان الناشئة الكبيرة، كالصين والهند، والتي يتزايد ثقلها في الاقتصاد العالمي.
من ذلك يتضح أن الأزمة الخليجية أفرزت أو بالأحرى عمقت من اتجاهين رئيسيين، الأول تمثله، الإمارات والسعودية والبحرين ومصر وهو اتجاه تنموي بعيد المدى يرمي إلى الإسراع في التنمية المستدامة للتحضير لفترة ما بعد النفط، وإقامة شراكات استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار التغيرات السريعة في العلاقات الدولية غير عابئة بحملات التحريض القطرية - بل إنها نست أن هناك أزمة مع قطر - في الوقت الذي تنفق الأموال القطرية على التحريض وتمويل المنظمات الخارجية ومشتريات تسلح لكسب رضاء أطراف إقليمية مؤثرة، ما يفوت فرصاً تنموية لا تعوض وخسارة كبيرة للاقتصاد القطري.