يوماً بعد آخر يتأكد بأن الدول العربية القيادية الثلاث، وهي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية، تمتلك الإرادة ولديها القدرة على تغيير الموقف الأميركي وتبديل الانطباع السلبي الذي خلقه اعتراف ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وبأن هذه الدول ستتمكن من تعديل مسار خطة ترامب للسلام لكي تأتي معبرةً عن مطالب مبادرة السلام العربية في إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
ومؤخراً ظهرت تسريبات حول محتوى الخطة الأميركية من جانب مصادر إعلامية إسرائيلية، لكن التسريب الأكثر جدية جاء هذا الأسبوع من داخل مجلس الوزراء الإسرائيلي وبلسان أحد الوزراء في حكومة نتنياهو، إذ أطلق «نفتالي بينت»، وزير التعليم، سهامه ضد نتنياهو قبل جلسة مجلس الوزراء لهذا الأسبوع، موجهاً له اتهاماً صريحاً بأنه متفق مع الرئيس الأميركي ترامب على إقامة دولة فلسطينية على تسعين في المائة من مساحة الضفة الغربية، مع تقسيم القدس بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأنه تم إرجاء إعلان خطة ترامب إلى ما بعد الانتخابات حتى لا يتعرض نتنياهو للحرج، وأن هذه الخطة ستعلن بعد الانتخابات وأن نتنياهو بعد فوزه، وفي اليوم التالي لإعلان نتائج الانتخابات، سيدعو الجنرال جانتس زعيم كتلة الوسط، ومعه شريكه يائير لابيد زعيم حزب «هناك مستقبل»، للمشاركة في حكومة وطنية لتحقيق السلام.
خطورة هذه السهام أنها تأتي من جانب وزير مطلع وهو أحد تلامذة نتنياهو المؤمنين بزعامته لمعسكر اليمين، وهو اليميني المتطرف نفتالي بينت الذي تزعم خلال الانتخابات الماضية حزب المستوطنين المسمى «البيت اليهودي» ويقود حالياً حزب «اليمين الجديد».
وعلى صعيد التأثير الانتخابي لهذا الكشف، فلا شك أن معلومات كهذه يمكن أن تخلق لنتنياهو صعوبات مع جماعات المستوطنين المتشددين وجماهير الناخبين اليمينيين وتدفع بعضهم لتقوية حزب «اليمين الجديد» بالتصويت له بدلاً من التصويت لـ«لليكود»، لتمكينه من اعتراض طريق خطة ترامب. ومما يرجح هذا الاحتمال أن بينت يلح في تصريحاته وفي ظهوره التلفزيوني على أن حزبه يمثل اليمين الحقيقي الرافض لإقامة دولة فلسطينية والمصمم على عدم التنازل عن أي جزء من الضفة الغربية للشعب الفلسطيني تحت شعار «عدم تقسيم أرض إسرائيل».
وعندما قال بينت في حوار تلفزيوني مؤخراً إن حزبه فقط يمثل اليمين الحقيقي، سأله مقدم البرنامج: أليس حزب الليكود بقيادة نتنياهو يمثل اليمين الحقيقي هو الآخر؟ فجاءت إجابة بينت لتدل على مدى تطرفه حيث قال: إن نتنياهو سبق أن تنازل للفلسطينيين في اتفاقية الخليل، وسبق أن عبّر عن موافقته على إقامة دولة فلسطينية، أما أنا فغير مستعد لمثل هذه التنازلات.
إن استطلاعات الرأي الستة التي أجريت بعد إعلان زعيم كتلة الوسط الجنرال جانتس ولابيد عن الاتحاد في قائمة انتخابية أسمياها «أزرق وأبيض»، تشير إلى أن هذه القائمة ستتفوق على «الليكود» بعدة مقاعد، وهو ما يفتح احتمال أن يكون جانتس رئيساً للحكومة المقبلة بدلاً من نتنياهو. هذا الاحتمال يعزز قبول الحكومة الجديدة لخطة ترامب حيث إن جانتس عبّر عن استعداده الواضح لإقامة سلام مع الدول العربية والانفصال عن الفلسطينيين.

*أستاذ الدراسات العبرية -جامعة عين شمس