عندما أعلن حاكم ولاية كاليفورنيا «الديمقراطي» جايفن نيوسم أن ولايته تعتزم تقليص مشروع خط القطار فائق السرعة المتعثر، طالب الرئيس دونالد ترامب كاليفورنيا بإعادة الـ2.5 مليار دولار من التمويل الفيدرالي التي رصدت للمشروع. كما قال الرئيس الأميركي إن وزارة النقل تعتزم وقف منحة فيدرالية تبلغ 929 مليون دولار تدعم المشروع. وكان من المتوقع أن تبلغ كلفة مشروع خط السكك الحديدية فائق السرعة 40 مليار دولار في البداية، ولكن أحدث التوقعات تشير إلى أن الكلفة الحقيقة تتجاوز الميزانية المتوقعة بـ37 مليار دولار، وأن المشروع متأخر بأربع سنوات على الأقل في بعض المقاطع، وكلّف دافعي الضرائب 4 مليارات دولار حتى الآن. ومن غير الواضح ما إن كانت الحكومة الفيدرالية ستستطيع استعادة المال الذي تعهدت به للمشروع، ولكن هذا السؤال يحجب فكرة أكبر وأهم: إذ أخشى أن تكون أميركا باتت عاجزة عن إنجاز أي مشروع كبير.
فما حدث في كاليفورنيا ليس سوى أحدث مثال على عجز هذا البلد على إكمال مشاريع اقتصادية كبيرة. فالعام الماضي، تم التخلي عن مشروع بدأ منذ سنوات لإنشاء محطة حديثة للطاقة النووية في ولاية كارولاينا الجنوبية، في ما يمثّل إعلاناً لنهاية ما اعتبرته صحيفة «نيويورك تايمز» «مشروعاً كان من المتوقع ذات يوم أن يعكس التكنولوجيا النووية المتقدمة إلا أنه عانى منذ ذلك الحين من التأخير وتجاوز الكلفة المتوقعة». فقد توقفت أشغال البناء في محطة الطاقة بعد إنجاز أقل من 40 في المئة من المشروع بكلفة تناهز 9 مليارات دولار، وأدى تجاوز الميزانية المخصصة إلى كلفة متوقعة جديدة لإكمال المشروع تصل إلى 25 مليار دولار، أي أكثر من ضعف الـ11.5 مليار دولار التي كانت متوقعة في البداية.
ولا أريد أن أتحدث هنا عن محنة القطاع الخاص الذي يحاول التغلب على كل العراقيل التي ترمى في طريقه – من قبل سياسيين ديمقراطيين ونشطاء في الغالب. ولكن، كيف يوفق الديمقراطيون بين دعوة «الصفقة الجديدة الخضراء» إلى «ضمان وظيفة ذات أجر يكفي لإعالة أسرة، وإجازة طبية وعائلية مناسبة، وإجازة مدفوعة الأجر، وتأمين تقاعد»، من جهة، ومعارضة البعض للـ25 ألف وظيفة جديدة التي كانت شركة «أمازون» ستجلبها على مدينة نيويورك، من جهة أخرى؟ ثم أي نوع من الوظائف وأي نوع من الأجور بالضبط سيضمنها «الديمقراطيون» للأميركيين؟ وأين سيعمل كل واحد منهم؟
الواقع أن على «الديمقراطيين» أن يوفقوا بين دعوتهم للإنفاق على البنية التحتية وبين ظهورهم بمظهر المعارض للكثير من مشاريع البنية التحتية، ذلك أنهم يدّعون دعم البنية التحتية، ولكنهم مسؤولون عن وضع قوانين وتنظيمات وتشجيع منظمات غير حكومية ونشطاء يعارضون هذه الاستثمارات ويعرقلونها، ما يؤدي إلى ارتفاع الكلفة وتراجع إمكانيات الولايات المتحدة الاقتصادية. والنتيجة أننا ننفق أكثر من أي وقت مضى ولكننا لا ننشئ أصولاً. وعلاوة على ذلك، فإن نيويورك باتت تعاني من نقص الغاز الطبيعي، في حين أخذت نقاط ضعف كبيرة تظهر على شبكة الكهرباء في منطقة نيو إنجلاند، وهناك تعرفة كهرباء أعلى في كونيكتيكت.
والحاصل أنه في ما عدا قائمة من الأشياء المجانية، مثل التعليم المجاني في الجامعة والدعوات المتزايدة إلى إصلاح البنى التحتية القديمة – لا يملك «الديمقراطيون» رسالة اقتصادية جدية. وربما يجدر بهم البدء بتحديد أنواع البنى التحتية التي سيدعمونها في الواقع. إذ لا يمكنهم الزعم بأنهم يؤيدون خلق وظائف والدفع في الوقت نفسه بسياسات مدمرة اقتصادياً. لقد كنت أتأسف دائماً لكون حملاتنا السياسية بعيدة ومنفصلة عن المشاكل التي يواجهها زعماؤنا المنتخَبون عندما يصلون إلى السلطة. وعليه، فأيهما تختارون أيها «الديمقراطيون»: البنية التحتية الحقيقية أم المواقف المناوئة للتنمية والنمو التي يبدو أن الكثير من «الديمقراطيين» يتبنونها صراحة؟ ومن من بين المرشحين لانتخابات 2020 يؤيد حقاً تحسين البنى التحتية التقليدية؟ لا يمكنهم اختيار الاثنين معاً. في الماضي، كان لدى الولايات المتحدة أكبر الأشياء وأفضلها. فلماذا لا يتفق الطرفان على ذلك كهدف مشترك؟
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»