بغض النظر عن عودة وزير الخارجية الإيراني عن استقالته، تأتي التصريحات التي رافقت إعلانه الاستقالة دلالة واضحة على أنه وبعد أربعين سنة من عمر الثورة الإيرانية لا يزال النظام الإيراني رهين متلازمة الدولة والثورة. نسير مع القارئ الكريم في هذه المقالة لسبر أغوار تلك المتلازمة وشواهدها.
وكأن وزير الخارجية الإيراني في ذلك المساء التي حطت فيه طائرة بشار الأسد بطهران، كان ينعم بليلة من الهدوء بعد سلسلة من الرحلات إلى أوروبا حيث يجد نفسه وزيراً للخارجية الإيرانية. يقلب في صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، وإذا به يجد صورة لوزير خارجية إيراني غيره بجانب رئيس الجمهورية الإيرانية حسن روحاني في استقباله للأسد. ينزع ظريف نظارته عن عينيه، يقوم بمسحها، يلبسها مجدداً ثم يحدق من جديد في تلك الصورة.
يتجه بعدها إلى حسابه في الانستجرام ويكتب: «بعد ظهور صور اجتماعات اليوم لم يعد لمحمد جواد ظريف كوزير للخارجية مصداقية حول العالم». يعود ظريف من جديد ليحدق في تلك الصورة، ليدرك مدى قيمته وحجم وزير الخارجية الإيراني حين تكون المتلازمة بين الثورة والدولة، وكيف للثورة أن تُقزم من حجم وزير الخارجية في حمى الثورة.
يعود ظريف من جديد في صباح اليوم الثاني ليكتب: «أتمنى أن تكون استقالتي سبباً في عودة المكانة الطبيعية لوزارة الخارجية الإيرانية في مجال العلاقات الدولية». لم يكن لظريف أن يستوعب كيف يحل قاسم سليماني محله في الاجتماع الذي جمع الرئيس الإيراني حسن روحاني ببشار الأسد.
لكن مهلاً، هل يحق لظريف أن يتخذ هذا الموقف، ويصل به الحال لتقديم استقالته؟ نعم، وبكل تأكيد، لكن فقط إذا كان ظريف وزيراً لخارجية دولة لا تعاني متلازمة الدولة والثورة.
كيف ذلك؟ يتساءل القارئ! لعلنا نستذكر سلسلة من الزيارات التي قام بها المسؤولون الإيرانيون في حمى الثورة للنظام الإيراني، ونقصد هنا تحديداً المنطقة التي ما زال النظام الإيراني يقدم الثورة على الدولة في التعامل معها، وتحديداً العراق وسوريا خلال السنوات الثلاث الماضية. دعونا نوجه السؤال مع القارئ الكريم لوزير الخارجية الإيراني ظريف: هل تستطيع أن تقارن حجم زياراتك إلى هاتين الدولتين مقارنة بوزير خارجية الثورة الإيرانية قاسم سليماني؟
النتيجة في صالح الثورة على الدولة. هذه الثورة ونهجها في المنطقة تجعلان ظريف، كما قال، فاقداً للمصداقية، بل وتُفرغ استقالته من محتواها. فظريف بنفسه كان شاهداً على جملة من الأدلة التي تجعله يحتفظ بمصداقية منصب كوزير خارجية الدولة في إيران خارج حمى وزير خارجية الثورة قاسم سليماني ومن ورائه الحرس الثوري وقبلهم المرشد خامنئي.
ألا يستذكر معنا ظريف تزامُنَ رسالة التهنئة التي وجهها ملك البحرين إلى الرئيس الإيراني في إحدى مناسبات ذكرى نجاح الثورة الإيرانية عام 1979، مع استقبال المرشد الإيراني لمجموعة من الذين يصفون أنفسهم بالمعارضة البحرينية ويصفهم المرشد بالأقوياء ويدعوهم للصمود؟
ألم يقل مساعد ظريف السابق حسين عبداللهيان إن زيارة ظريف لبعض دول الخليج بعد الاتفاق النووي ستفتح صفحة جديدة ليكمل ظريف أنها زيارة للدعوة إلى اتفاق يكون الجميع فيه رابحاً؟ فما كان من متلازمة الدولة والثورة إلا أن تعود من جديد وتقوم الثورة بدورها المعهود لتتكشف خلية العبدلي ومعها تهريب السلاح لمملكة البحرين!
وتأسيساً على ذلك فإنه من السخرية أن تكون لظريف ردة الفعل هذه في ظل إدراكه التام لحجم وزارة الخارجية حين يتعلق الأمر بالثورة، وما قام به ليس إلا تأكيداً على اليأس الذي دب في نفسه والشعب الإيراني من هذه السياسة التي ينتهجها النظام الإيراني، والتي باتت تحرج الشعب الإيراني ويتحمل تكاليف تبعاتها جنباً إلى جنب مع وزارة الخارجية الإيرانية التي تصبح وتمسي على خطوات تُتخذ بعيداً عن ما يطلق عليه وزير الخارجية الإيراني بالمكانة الطبيعية لوزارة الخارجية على مستوى العلاقات الدولية.
وسواء استمر ظريف في التمسك باستقالته أو عاد عنها، وهو أمر ربما أصبح قائماً، فستظل وزارة الخارجية الإيرانية، ومن يتسلم حقيبتها، عاجزة وبعيدة كل البعد عن التأثير الحقيقي في حمى الثورة ومجالها، وستبقى ذلك الشكل البروتوكولي الخالي من التأثير، مقابل وزير خارجية الثورة، وسيبقى الحال ما دامت متلازمة الدولة والثورة مستمرة في هذا النظام.

*أكاديمي إماراتي