هل يليق بالنظام الإيراني أن يحتفل بأربعينية ثورته الخمينية، وأن يقدم لشعبه وللعالم كله «سجّل حكمه العامر بالإنجازات العظيمة» على كل الأصعدة الداخلية والخارجية، منذ «انتصار» مرشده الأول الخميني وحتى مرشده الأخير خامنئي؟! إنها الإنجازات «العجائبية» (السوريالية). فالخميني، ليس وحده من وضع الثورة، وإنْ كان «كوكبها» الذي تهافتت وسائل الإعلام الغربية على تكبير صورته وتظهيرها بالألوان الزاهية، كمنقذ من ديكتاتورية الشاه، خصوصاً وإنه حطّ في باريس في طريقه إلى طهران، وهناك استُقبل استقبال «الفاتحين» ووزعت له مئات ألوف الكاسيتات من صنع فرنسي (غربي)، لنشر أفكاره للعالم وفي صفوف الإيرانيين.
ولأنه «المنقذ من الضلال» فمن الطبيعي أن يشعر ويعتقد بيقينٍ عالٍ، أنه لا يحتاج إلى أحد. لا إلى شريك ولا إلى شورى، وتالياً لا يحتاج إلى حلفائه كحزب «تودة» (الشيوعي)، أو «مجاهدي خلق» أو القوميين أو الليبراليين. إذاً فليعلنها واضحة، ليس لهؤلاء مكان في إيران الجديدة. ويعني ذلك «سياسياً» إلغاءهم من المعادلة: ومن كل حيثية سياسية. فأعلن عليهم حرب «إبادة»، متهماً إياهم بالتكفير (الشيوعيين)، والتخوين، أي كل الباقين، فقتل منهم عشرين ألفاً، وسجن منهم الآلاف ونُفي من نُفي، فهرب من هرب إلى جهات الأرض الأربع.
إنها البداية التي ترسم خريطة الطريق: نظام توتاليتاري ديكتاتوري برأس واحد. إنه الظهور الأول «اللامع» بالدم والقتل للمرشد الأكبر (قدّس الله ظله) المرشد الذي جاء من أحضان «الإخوان المسلمين»، وبمفكرهم سيد قطب، الذي ترجم بعض كتاباته إلى الفارسية. والمعروف أن هؤلاء «الإخونجية» تأثروا تأثراً جيداً بالنازية الصاعدة، آنئذٍ بهيكليتها التراتبية، فكان لهم علاقات «مثمرة» مع ضباط ومسؤولين ألمان طالبين منهم المساعدة، وحوّل «الإخوان» فكرة «القومية الآرية» المتفوقة إلى قومية إسلامية منغلقة، من النازية المتطرفة العنيفة، إلى الراديكالية الإسلامية العنيفة، من العنصرية المتطرفة إلى أخرى متطرفة، من «الفوهرر» (الزعيم) إلى الخليفة أو المرشد. وانتقل «الإخوان» في ترحالهم الغربي إلى حضن الإنجليز، فنقدوهم ما نقدوهم من مساعدات مادية. وفي منتصف الخمسينات ذهبوا إلى الولايات المتحدة وقابلوا الرئيس أيزنهاور وعادوا من عنده «وجيوبهم مليئة»، كما ورد في أحد الكتب الفرنسية الذي صدر قبل ثلاث سنوات في فرنسا. لكن، وكما أراد «الإخوان» وضع استراتيجية توسعية، لاستعادة ما يشبه الامبراطورية العثمانية الساقطة، فقد رسم الخميني خطة كبرى تعيد مجد الامبراطورية النازية في بلاد الإسلام وأبعد منها، وذلك من خلال تصدير الثورة، ليس إلى إسرائيل (واستعادة فلسطين) بل الجوار العربي، بشعار إسلامي منفتح لكن بمضمون مذهبي باطن. وهنا يمكن القول إنه استوحى فكرة «إسرائيل الكبرى» أو ما يسمى اصطلاحاً «الهلال الشيعي» وكما جاء في مخطط إسرائيل الكبرى، تحويل العالم الإسلامي العربي إلى دويلات متناحرة، طائفياً وسياسياً، وحروباً. تبناه الخميني ومن بعده خامنئي، أي محاولة «فرسنة» المنطقة وتمزيق انتماءاتها، وتقاليدها وكياناتها. هنا استضمار لفعل الضم والقرض (ألا تحتل إيران الجزر العربية الثلاث طنب الصغرى وطنب الكبرى وجزيرة أبو موسى) ولتنفيذ «الأسطورة» أنبتوا حيث كان تعددية شعبية – سنية – عربية، ميليشيات مذهبية، وأحزاباً مرتهنة بها، تحاول من الداخل تفجير الأوضاع وإشاعة الفوضى، والخراب تمهيداً لمحوها كدول وحدود وتاريخ. أوليس هذا ما فعلوه في لبنان عبر «حزب الله»، وفي اليمن عبر «الحوثيين» وفي سوريا عبر الحرس الثوري وفيلق القدس؟ والعراق عبر ميليشيات وجيوش تجعل من هذا البلد العربي العريق جزءاً من ولاية الفقيه، ولم يكتفوا بذلك بل سامتهم كراهيتهم، ودفعهم غرورهم إلى أبعد من ذلك، إنشاء خلايا إرهابية في الكويت والإمارات ومصر والجزائر والمغرب وباريس، وبريطانيا... واستنبات «داعش» وهو صناعة خامنئي، واحتضان زعماء «القاعدة».
لكن ويا للأسف انكسر هلالهم على رؤوسهم ورؤوس حلفائهم، وها هم محاصرون داخلياً من انتفاضات شعبهم، وأزماتهم الاقتصادية، وعزلهم عن العالم، وموضوع عن كل قوائم الإرهاب، والعقوبات. تساقط مشروعهم الامبراطوري الفارسي، فهل بدأت بعد ولايات نظامهم! هل سيحتفل الملالي بعد عشر سنوات بيوبيلهم الفضي... أم سيمشون في جنازة.