«الإيمان هو الطائر الذي يشعر بالضوء عندما يكون الفجر لا يزال مظلماً»، قال ذلك الشاعر الهندي «طاغور». وحدث ذلك في خمسينيات القرن الماضي، حين أطلقت أمم الشرق في «باندونغ» بإندونيسيا حركة الحياد وعدم الانحياز. وتبني الآن هذه الأمم «طريق الحرير»، وتُسّميه الصين «الحزام والطريق»، وتخصص تريليون دولار لمشاريعه التي تربط بين 68 بلداً، وتضم 65% من سكان العالم، ينتجون 40% من إجمالي الناتج العالمي. وتحتل الصين المرتبة الأولى في حجم الاستثمارات الأجنبية في الشرق الأوسط. و«ممر الصين باكستان الاقتصادي» أول برامج «الحزام والطريق»، وتبلغ الاستثمارات فيه 62 مليار دولار، أي ما يعادل مجموع الاستثمارات الأجنبية في باكستان منذ عام 1970. و«عندما يُغيَر الطريق العالم»، عنوان مقالتي هنا في مارس 2017 بمناسبة استقبال ميناء «روتردام» في هولندا أول قطار يحمل حاويات شحن من الصين، عبر باكستان وآسيا الوسطى وروسيا.
و«لماذا ممر الصين باكستان الاقتصادي ورقة الجوكر في النزاع الهندي الباكستاني؟»، عنوان مقالة في مجلة «فورتشن إنديا»، تناولت «الخطر النووي» لاندلاع النزاع بين الهند وباكستان، عقب حادث إسقاط باكستان طائرة عسكرية هندية وأسر طيارها. و«لعبة الجوكر» المُسلية إطراء الطيار الهندي الأسير «فارتامان» حُسن معاملة عسكريي باكستان، ودعوته عسكريي بلاده الهند إلى الاقتداء بهم. وارتفعت لافتات التواصل الاجتماعي حول العالم: «اصنعوا الشاي مع الهند لا الحرب». وبدلاً من أن يُعدم الطيار الهندي، أو يُسجن على الأقل حال تسليمه لبلده، أعلن قائد القوات الجوية الهندية المارشال «سينغ دهانو» إيقافه عن قيادة طائرة مقاتلة مرة أخرى، «إلاّ إذا سمحت له لياقته البدنية بذلك»!
وفي العلاقات بين أمم الشرق «إسرائيل تلعب دوراً كبيراً في تصعيد النزاع مع باكستان»، عنوان مقالة «روبرت فيسك» معلق «إندبندنت» البريطانية، والتي يتناول فيها بأسلوبه المستنفر تفاصيل تسليح إسرائيل للهند. ولو تابع «فيسك» الجذورَ الفلسفية التي يصورها «مصطفى عيتاني» في مدونته بالإنجليزية لوجد التالي: يغمس الحكماء أصابعهم في وعاء خَل، ويتذوقوه، فترتسم المرارة في وجه «بوذا»، والحموضة في وجه «كونفشيوس»، والابتسامة في وجه «لاوتزو». وعاءُ الخل هو الحياة!
وفي علاقات الصين بالخليج «البذر محفوظ» حسب المثل السعودي. فما أن قررت الرياض إدراج اللغة الصينية في المناهج الدراسية في جميع مراحل التعليم، حتى شرعت وسائل التواصل الاجتماعي السعودية تُغّرد بالصينية، وتقدمتها «جامعة الملك سعود» بالرياض، وبادرت «جامعة الملك عبد العزيز في جدة» إلى توقيع «اتفاقية لإنشاء مركز تبادل العلوم والثقافة وتعليم اللغة الصينية»، وغَرّدَت «جامعة الطائف» خطاب رئيسها بالصينية، وعقد «مركز البحوث والتواصل الاجتماعي» بالرياض حلقة نقاش حول «نقاط التلاقي بين رؤية 2030 السعودية ومبادرة الطريق والحزام الصينية». ساهم في النقاش أكاديميون ودبلوماسيون، بينهم سفير الصين في المملكة، ومحمد إبراهيم السويل رئيس «مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية» ووزير «الاتصالات وتقنية المعلومات» سابقاً، وتحدث َعن تجربته في تعلم اللغة الصينية «التي تملك الكثير من المزايا والخصائص الجمالية تشدُّ متعلمها».
ندرك هنا كيف أصبح الخليج العربي الذي يعيش فيه الآن ملايين من أتباع الديانات الشرقية الحكيمة، نقطة تلاقي أمم الشرق، ولماذا الخليج أول منطقة قصدها زعيم الصين «شي» عقب انتخابه رئيساً مدى الحياة. فهدف ذلك كان أبعد من مجرد إقامة علاقات طيبة، بل خطوة في مسيرة أمم الشرق التي تُغير العالم، وحكمة «لاوتزو» فيها «عامل الخيِّرين بشكل خيِّر، وعامل غير الخيِّرين بشكل خيِّر أيضاً. وهكذا يتحقق الخير، وكن نزيهاً مع النزيهين، ونزيهاً أيضاً مع غير النزيهين، وهكذا تتحقق النزاهة»