كانت هناك بعض الأنباء السارة مؤخراً حول التجارة العالمية؛ فيبدو أن الحرب التجارية كاملة النطاق بين الولايات المتحدة والصين ستؤجل، وربما يتم تفاديها تماماً. لكن الأنباء المحزنة هي أننا إذا أبرمنا اتفاقاً تجارياً مع الصين، فإن السبب الرئيسي سيكون أن الصينيين يعرضون على الرئيس ترامب مقابلاً سياسياً شخصياً. وفي بعض الأحيان، يبدو أن هناك صراعاً تجارياً وشيكاً وأشد خطورة مع أوروبا. غير أن الأوروبيين، الذين لا يزال لديهم شيء مميز يُسمّى حكم القانون، لا يستطيعون تقديم امتيازات شخصية من أجل تحقيق سلام تجاري.
وكانت إدارة الرئيس دونالد ترامب قد فرضت العام الماضي رسوماً جمركية على سلسلة من المنتجات الصينية، تشمل أكثر من نصف صادرات الصين إلى الولايات المتحدة. لكن تلك كانت مجرد بداية: فقد هدّد ترامب بفرض رسوم جمركية أعلى بكثير على صادرات صينية تصل قيمتها إلى أكثر من مئتي مليار دولار بداية من يوم الجمعة المقبل.
لكن ما هو الدافع وراء تلك الرسوم الجمركية؟ من الملحوظ أنه لا تبدو هناك أي مطالب جماعية قوية باللجوء إلى الحمائية التجارية، بل إن كبريات الشركات الصناعية الكبرى كانت تحشد ضد الإجراءات التجارية التي اتخذتها إدارة ترامب، ومن الواضح أن أسواق الأسهم لا تحبذ الصراعات التجارية، حيث تتراجع عند زيادة التوترات وتتعافى عندما تهدأ.
قانون التجارة الدولية الأميركي يمنح الرئيس سلطة كبيرة لفرض رسوم جمركية وفقاً لمجموعة من الأسس. وبناء على ذلك، يرتكز توقع السياسات التجارية على اكتشاف ما يدور بخلد شخص واحد.
وفي الوقت الراهن، ثمة أسباب حقيقية تدعو لغضب الولايات المتحدة من الصين، وتستدعي أن تطلب منها تغييرات في سياساتها. فعلى أي حال، تربك الصين جوهر قواعد التجارة العالمية، وبحكم الأمر الواقع تقيّد وصول الشركات الأجنبية لسوقها ما لم تقدم لها تكنولوجيا قيّمة. لذا، يمكن تبرير الضغوط الأميركية على الصين، المُنسّقة مع الاقتصادات المتقدمة الأخرى، من أجل وقف تلك الممارسات.
لكن لا يكاد يكون هناك دليل على أن الرئيس ترامب مهتم بالتعامل مع المشكلة الحقيقية التي تمثلها الصين. وقد حضرت مؤخراً مؤتمراً حول السياسة التجارية حيث سُئل الخبراء عن ما يريده ترامب حقيقة، فكانت الإجابة الشائعة أنه يريد: «إنجازات يمكن الإعلان عنها بتغريدات عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر».
وبالطبع، تغنّى ترامب بما يعتبره «تنازلات صينية كبرى»، والتي تدور جميعها حول توجيه الحكومة الصينية للشركات بشراء منتجات زراعية أميركية. وعلى وجه الخصوص، جاء تأجيل الحرب التجارية بعد تعهد صيني بشراء عشرة ملايين طن من فول الصويا. وبالطبع، سيسر ذلك المزارعين الأميركيين، وإن كانوا لا يزالون بعيدين عن تعويض خسائرهم التي تكبدوها من جراء الإجراءات السابقة التي اتخذتها الإدارة. وبيت القصيد أن ما تعرضه الصين لا يُحقق على الإطلاق المصالح الوطنية الأميركية الحقيقية الموجودة على المحك. وكل ما تفعله هو أنها تمنح ترامب شيئاً ليغرّد بشأنه. وفي هذه الأثناء، أعدت وزارة الخارجية الأميركية تقريراً حول استيراد السيارات الأوروبية، والذي يستنتج، بحسب الصحافة الألمانية، أن تلك الواردات تمثل تهديداً على الأمن القومي الأميركي.
وإذا كان ذلك يبدو سخيفاً، فلأنه كذلك! وفي الحقيقة، على رغم من أن الأوروبيين ليسوا ملائكة، لكنهم يلتزمون بالقواعد العالمية، ومن الصعب اتهامهم بأي أخطاء تجارية فادحة. وفي حين أنهم يفرضون رسوماً جمركية بقيمة عشرة في المئة على السيارات الأميركية، لكننا نفرض رسوماً جمركية بقيمة 25 في المئة على شاحناتهم الخفيفة، وهو ما يجعلنا متعادلين بدرجة كبيرة. لكن في ظل وزير التجارة الحالي، بالطبع، يمكن للوزارة أن تستنتج أي شيء يريده ترامب. وهذا التقرير يمنح الرئيس سلطة قانونية ليخوض بنا حرباً تجارية مع الاتحاد الأوروبي. وإذا ما حدث ذلك، فإن هذه الحرب التجارية ستكون ذات نتائج مدمرة وشيكة؛ لاسيما أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر سوق صادرات للولايات المتحدة، ويُنتج بصورة مباشرة زهاء 2.6 مليون وظيفة للأميركيين. كما أن اقتصادي الطرفين متداخلان تداخلاً كبيراً، ولهذا السبب يُساور الجميع، حتى قطاع السيارات الأميركي، القلق بشأن احتمال فرض الرئيس ترامب رسوماً جمركية على السيارات الأوروبية. وعلى النقيض من الحكومة الصينية، لا يستطيع الاتحاد الأوروبي توجيه الشركات الخاصة بالقيام بعمليات شراء سخية للبضائع الأميركية. ونتيجة لذلك، ثمة فرص كبيرة لنمو الصراع التجاري.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/02/25/opinion/trump-trade-china.html